pa2243c.jpg Paul Lachine

هل نكسب المعركة ضد الأمراض القاتلة

مابوتو ــ إن الصندوق العالمي لمكافحة الايدز والسل والملاريا يعد واحداً من أعظم النجاحات التي شهدها العالم في مجال التنمية في العقد الماضي. فقد أنقذ الصندوق العالمي ملايين الأرواح وساعد البلدان في مختلف أنحاء العالم في التصدي لثلاثة أمراض وبائية. والآن يناشد الصندوق حكومات العالم والقطاع الخاص طالباً ثلاثة أعوام أخرى من التمويل، ومن المنتظر أن تقرر الحكومات بشأن التمويل الإضافي في أوائل ديسمبر/كانون الأول في واشنطن العاصمة.

في عام 2000، كان وباء الايدز/فيروس نقص المناعة البشرية يعيث فساداً في أفقر بلدان العالم، وخاصة في أفريقيا. ثم تم تطوير أدوية مضادة للفيروسات واستخدامها في البلدان الغنية، ولكنها كانت باهظة التكلفة بالنسبة للبلدان الأكثر فقرا. فكان الملايين من الفقراء يموتون بسبب الايدز، حتى برغم أن الأدوية الجديدة كانت قادرة على إبقائهم على قيد الحياة.

وكان مرضان قاتلان آخران، الملاريا والسل، في ارتفاع أيضا. فقد ارتفعت معدلات الوفاة بالملاريا إلى عنان السماء، وكان ذلك راجعاً بشكل جزئي إلى نقص التمويل الشديد لأنظمة الرعاية الصحية في البلدان الفقيرة، وجزئياً لأن طفيل الملاريا اكتسب القدرة على مقاومة للأدوية المعتادة. ورغم ذلك فإن إمكانية السيطرة على الملاريا كانت في تحسن في واقع الأمر، بفضل تكنولوجيات ناشئة جديدة عديدة: شبكات الأسِرة المعالجة بالمبيدات الحشرية لمنع البعوض من لسع الناس، وتحسين أساليب التشخيص لتحديد العدوى، وتطوير جيل جديد من الأدوية العالية الفعالية.

كما أفلت السل أيضاً من السيطرة، فخلف عبئاً ثقيلاً على بلدان آسيا وأفريقيا. وكما هي الحال مع الملاريا، فقد تمكنت بكتيريا السل من اكتساب القدرة على مقاومة العقاقير العلاجية التقليدية. واندلع وباء مخيف جديد من السل المقاوم للأدوية المتعددة، والذي كان علاجه أصعب كثيراً من علاج السل المعتاد. كما ظهرت حالات شديدة مصابة بالسل المقاوم للأدوية المتعددة، والذي كان مقاوماً أيضاً للأدوية المستحدثة.

وفي عام 2000، لم تكن البلدان الغنية تتخذ خطوات كافية لمكافحة الايدز والسل والملاريا. وكانت تدفقات المعونة ضئيلة. في ذلك الوقت كنت قد عينت حديثاً من قِبَل المدير العام لمنظمة الصحة العالمية للمساعدة في جمع وزراء المالية والصحة معاً لبحث ما يمكن القيام به، على الفور وفي الأمد الأبعد.

وقد أوصت مجموعتنا الاستشارية، المعروفة باسم اللجنة المعنية بالاقتصاد الكلي والصحة، بأن تزيد الدول الغنية من مساعداتها التي تقدمها للدول الفقيرة في مجال الرعاية الصحية، بما في ذلك الجهود الرامية لمكافحة الايدز والسل والملاريا. فمن شأن هذه المساعدات أن تنقذ أرواح البشر، وأن تساعد في تحسين رفاهتهم وتعزيز التنمية الاقتصادية.

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week
PS_Sales_Holiday2024_1333x1000

HOLIDAY SALE: PS for less than $0.7 per week

At a time when democracy is under threat, there is an urgent need for incisive, informed analysis of the issues and questions driving the news – just what PS has always provided. Subscribe now and save $50 on a new subscription.

Subscribe Now

والواقع أن رئيس الوزراء النرويجي السابق جرو هارلم برونتلاند، المدير العام الرائع لمنظمة الصحة العالمية في ذلك الوقت، أيد تلك التوصية بقوة. وفي مؤتمر الايدز الدولي الذي استضافته مدينة ديربان في جنوب أفريقيا في يوليو/تموز 2000، شرحت السبب وراء الاحتياج إلى صندوق عالمي جديد لمكافحة الايدز. وفي أوائل عام 2001، أطلق الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان نداءً قوياً ومقنعاً لإنشاء الصندوق العالمي.

واستجاب الزعماء في مختلف أنحاء العالم لنداء عنان؛ وفي غضون أشهر ولِد الصندوق العالمي بالفعل. ولا زلت أتذكر هذه الأيام بوضوح. وفي دوائر الصحة العامة الدولية كانت الإثارة عظيمة.

ولكن الأمر لم يخل أيضاً من الإحباط والحيرة، حيث بدأ معارضو المساعدات الخارجية في معارضة التمويل الإضافية لمكافحة الأمراض. وتحول العديد من خبراء الاقتصاد من ذوي الخبرة الضئيلة في مجال الصحة العامة إلى معارضين صريحين، فزعموا على أساس من إيديولوجية السوق الحرة وليس الأدلة الحقيقية أن المساعدات الخارجية تفشل دائما.

ومن حسن الحظ أن زعماء العالم أنصتوا إلى المتخصصين في مجال الصحة العامة وليس للمشككين في المساعدات. كما قدمت إدارة الرئيس الأميركي دعماً قوياً ومهماً للصندوق العالمي ــ وأنشأت أيضاً برامج أميركية لمكافحة الايدز والملاريا.

وبحلول النصف الثاني من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كانت برامج مكافحة هذه الأمراض المعدية القاتلة الرئيسية الثلاثة في ازدياد مضطرد في مختلف أنحاء العالم. وبرغم اعتراض المتشككين في المساعدات، قدَّم الصندوق العالمي الدعم المالي للتوزيع المجاني على نطاق واسع لشبكات الأسِرة، وسبل التشخيص، والأدوية اللازمة للتصدي للملاريا.

 وللمرة الأولى في جيل كامل، بدأت الوفيات الناجمة عن الملاريا في أفريقيا تنخفض (وبشكل حاد في بعض الأماكن). والآن يتم إنقاذ مئات الآلاف من الأرواح في كل عام، وأغلبهم من الأطفال الأفارقة. ولم يتم تجنيب الأطفال الموت فحسب بل وأيضاً أشكال العدوى الموهنة، كما تم تمكينهم من الانتظام في المدارس والانخراط في حياة أكثر إنتاجية في المستقبل.

وقد حدث نفس الشيء مع الايدز/فيروس نقص المناعة البشرية والسل. ففي عام 2000، وقبل تأسيس الصندوق العالمي، كان المصابون بالعدوى في البلدان النامية يموتون بالايدز من دون أي فرصة للحصول على الأدوية المضادة للفيروسات المنقذة للحياة. وبحلول عام 2010، كان أكثر من ستة ملايين شخص في البلدان النامية يتلقون العلاج المضاد للفيروسات. وعلى نحو مماثل، سجلت اختبارات وعلاج السل زيادة حادة، بما في ذلك الزيادة القوية في العديد من البلدان الآسيوية المتضررة بشدة.

وتبين أن المتشككين في المساعدات كانوا على خطأ. فقد نجحت المساعدات في مجال الصحة. واستفاد العالم كثيراً من انتصار السخاء والحرفية واللياقة والحس السليم.

ومع هذا فإن معركة حشد التمويل الكافي تظل دائرة. ونفس المتشككون يكررون معارضتهم المنهكة البالية من دون الرجوع إلى عقد كامل من الأدلة. وإنه لأمر مروع كيف تعميهم أصولية السوق الحرة (أو ببساطة المعارضة الإيديولوجية للمساعدات من أي نوع) عن احتياجات تشكل بالنسبة للكثير من البشر مسألة حياة أو موت وعن فعالية الأساليب العملية المعروفة جيداً في مجال المهن الصحية. (وهم يتعامون أيضاً عن الطرق المهنية في مجالات أخرى، مثل الإنتاج الغذائي).

والواقع أن الصندوق العالمي يلح في مناشداته لتأمين ما لا يقل عن خمسة مليارات دولار سنوياً على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة ــ وهو مبلغ ضئيل للغاية نسبة إلى الاقتصاد العالمي (وهو يعادل نحو 5 دولارات عن كل شخص في البلدان ذات الدخل المرتفع). وبوسع الصندوق أن يستخدم بحكمة ضعف هذا المبلغ.

ويبدو من المرجح أن توافق حكومة الولايات المتحدة على المساهمة بثلث هذا المبلغ إذا قدمت بقية بلدان العالم الثلثين المتبقيين. ومؤخراً بذلت المملكة المتحدة تعهداً قويا، وينتظر العالم الآن إعلانات الالتزام من جانب ألمانيا وكندا وأستراليا واليابان وغير ذلك من البلدان المانحة في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا.

إن الملايين من البشر في مختلف أنحاء العالم سوف يعيشون أو يموتون اعتماداً على القرارات التي سوف تتخذها هذه الحكومات في ديسمبر/كانون الأول. ولعلهم ــ ونحن معهم ــ يختارون الحياة.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/ZNZUUsHar