Child refugees from Syria. Oxfam International/Flickr

واجب مساعدة اللاجئين

نيويورك ــ أنا مدين بحياتي للسلطات البريطانية التي كانت على استعداد لقبولي كلاجئ رضيع قادم من ألمانيا النازية. في أغسطس/آب 1939، خرج أب وأمي وأنا برفقتهما من برلين، قبل بداية الحرب مباشرة، لكي ننضم إلى أختي استير التي كانت في العاشرة من عمرها، والتي ذهبت إلى إنجلترا بصحبة عشرة آلاف طفل قبل بضعة أشهر في ما يعرف باسم عملية "نقل الأطفال".

كان ما فعله البريطانيون من أجلنا، والسخاء غير العادي الذي أظهروه للاجئين من أمثالي خلال سنوات الحرب العصيبة، بارزاً بوضوح. الواقع أن السنوات الثماني التي قضيتها في إنجلترا كطفل جعلتني عاشقاً لإنجلترا مدى الحياة، ناهيك عن كوني داعية للتعامل بكل رفق وشهامة مع أولئك الفارين من الاضطهاد. ولكن من المحبط والمخيب للآمال أن الروح التي أظهرها البريطانيون في تلك الحقبة لم تنعكس في السياسات التي انتهجها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ــ أو سياسات العديد من زملائه الأوروبيين.

فحتى الآن، لم تقبل المملكة المتحدة سوى عدد صغير نسبياً من اللاجئين من الشرق الأوسط. ولم يطرأ أي تغير على موقف كاميرون إلا حين بدأ يستشعر الضغوط من الرأي العام البريطاني ــ الذي تأثر بشكل عميق بصور الفارين من الاضطهاد، وبخاصة صورة الجثة الهامدة للطفل إيلان كردي، الصبي السوري الذي لم يتجاوز عمره ثلاث سنوات، وقد جرفتها الأمواج إلى الشاطئ. ومع هذا، يتعين على المملكة المتحدة وغيرها من البلدان الأوروبية أن تبذل قدراً أعظم كثيراً من الجهد لحماية اللاجئين اليائسين الباحثين عن ملاذ آمن.

من المؤكد أن بعض البلدان ــ وهي على وجه التحديد السويد وألمانيا وسويسرا ــ استجابت لتدفق اللاجئين بالتمسك بالقيم الإنسانية. وقد ظهرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بطريقتها المتعقلة المتروية، بوصفها البطل الأكثر فعالية في الدفاع عن هذه القيم، الأمر الذي يجعل من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن إظهار الاحترام والكرامة للجميع يشكل أحد المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها بنيان الاتحاد الأوروبي. وقد اتفق وزراء الداخلية الأوروبيون أخيراً على خطة لإعادة توطين 120 ألف مهاجر في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي على مدى العامين المقبلين، مع وفاء كل بلد بحصة مفروضة.

ولكن بعض البلدان الأوروبية الأخرى ــ وخاصة جمهورية التشيك والمجر ورومانيا وسلوفاكيا ــ تعارض بكل شدة اتفاق الحصص، وذلك في إطار موقف عدائي عام يؤدي إلى تفاقم الصعوبات التي يواجهها اللاجئون. لا زلت أتذكر كيف أحجم الهولنديون والبلجيكيون حتى عن إصدار تأشيرات عبور للاجئين من أمثالي الذين كانوا يحاولون الوصول إلى إنجلترا من ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، خشية أن نبقى في بلادهم.

الحقيقة هي أن العديد من أهل أوروبا الوسطى والشرقية استفادوا من سخاء الآخرين عندما أرغمتهم الأزمات في بلدانهم على الفرار. وعندما سحقت القوات السوفييتية الانتفاضة المجرية في عام 1956، فر نحو 200 ألف مجري من بلادهم. كما هرب العديد من التشيك والسلوفاك إلى الغرب بعد استيلاء الشيوعيين على بلدهم في عام 1948، وكثيرون آخرون بعد أن تسبب غزو جيوش حلف وارسو في إنها ربيع براغ في عام 1968. وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، استفادوا من حرية الانتقال المكفولة لمواطنيهم داخل الاتحاد الأوروبي.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

الواقع أن الهدف المعلن من قِبَل المجر، المتمثل في الحفاظ على الطابع المسيحي لأوروبا، والذي تردد صداه في تصريح بولندا وسلوفاكيا باعتزامهما قبول اللاجئين المسيحيين فقط، شاذ ومنحرف بشكل خاص. فيبدو أن تصور مثل هذه البلدان للمسيحية، على النقيض من تصور البابا فرانسيس لها، يستبعد الالتزام المسيحي بالمحبة والإحسان. وهو موقف غير مقبول.

في حين يتدفق عِدة آلاف من السوريين والعراقيين من طالبي اللجوء إلى أوروبا الآن، فإن الأزمة ليست مشكلة أوروبية خالصة بطبيعة الحال. فقد استقبلت لبنان والأردن وتركيا بالفعل أعداداً أكبر كثيراً من اللاجئين، برغم الإجهاد الشديد الذي يفرضه هذا على اقتصاداتها ومجتمعاتها.

ومن ناحية أخرى، أغلقت الدول الثرية، مثل الولايات المتحدة وكندا وممالك الخليج أبوابها إلى حد كبير في وجه اللاجئين، تماماً كما أغلقت الولايات المتحدة أبوابها في وجه الجميع باستثناء عدد ضئيل من اليهود الفارين من أوروبا المحتلة من قِبَل النازيين. ويتعين على هذه البلدان، على أقل تقدير، أن تزيد بشكل كبير من مساعداتها المالية للبلدان التي تحملت العبء الأثقل.

كما تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية إضافية عن المساعدة. فكما يعلم الجميع الآن، وكما تشكك كثيرون في ذلك الوقت، كان غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة في عام 2003 قائماً على ادعاءات كاذبة. ورغم أنه من المستحيل أن نعرف إلى أي مدى ساهم ذلك الخطأ الفادح، بكل ما اشتمل عليه من غطرسة ونفاق، في الاضطرابات التي تشهدها المنطقة اليوم، فنحن نعلم عن يقين أنه لعب دوراً ملموسا. وإذا أضفنا إلى هذه المسؤولية الحتمية الأخلاقية والالتزام القانوني بمساعدة الفارين من العنف والاضطهاد، فسوف يتبين لنا بوضوح أن الولايات المتحدة لا ينبغي لها أن تكتفي بزيادة مساعداتها بشكل كبير إلى البلدان التي تستوعب أعداداً كبيرة من اللاجئين، بل يتعين عليها أيضاً أن تقبل أعداداً كبيرة من اللاجئين.

قبل عشر سنوات، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع مبدأ "المسؤولية عن حماية" السكان من الجرائم الوحشية الجماعية ــ الحماية التي قد تتخذ في بعض الحالات القصوى هيئة التدخل العسكري. ولكن النتائج غير المقصودة الناجمة عن الجهود المبذولة لفرض مبدأ "المسؤولية عن الحماية" ــ وأبرزها في ليبيا عام 2011 ــ قادت الدول إلى التخلي عن مسؤوليتها إلى حد كبير. ونتيجة لهذا، ظلت الحرب المروعة التي تدور رحاها في سوريا مستعرة لما يقرب من الخمس سنوات دون تدخل من قِبَل أولئك الذين يملكون القدرة العسكرية اللازمة للحد من بشاعة المذبحة، إن لم يكن وقفها.

وسواء كان عدم التدخل مبرراً أو لم يكن، فإن نهج عدم التدخل الذي تبناه العالم لا ينبغي له أبداً أن يمتد إلى عدة ملايين من الضحايا المدنيين الذين لا يملكون، كما كانت حال أسرتي في عام 1939، أي اختيار غير طلب اللجوء خارج أوطانهم. وأقل ما يستطيع بقيتنا أن يقوموا به من أجلهم هو الترحيب بهم.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

https://prosyn.org/DAXzQ9kar