rogoff247_Eduardo ParraEuropa Press via Getty Images_spanish stock Eduardo Parra/Europa Press via Getty Images

هل يستطيع اقتصاد أوروبا أن يتجاوز التوقعات في عام 2024؟

كمبريدج- بعد خمسة عشر عاما من الاضطرابات الاقتصادية، بما في ذلك أزمة الديون الأوروبية، وجائحة كوفيد-19، والغزو الروسي لأوكرانيا، يبدو أن أداء الاقتصاد الأوروبي سيكون دون المستوى في عام 2024. ولكن، هل المظاهر خداعة؟

لقد تضررت ألمانيا، التي تعد أكبر قوة اقتصادية في أوروبا، بصورة خاصة من ارتفاع أسعار الطاقة، ومن التباطؤ المستمر للنمو الاقتصادي في الصين. وفضلا على ذلك، فاقمت ألمانيا مشاكلها الاقتصادية بسبب سياسة التخفيف أو الإلغاء التي انتهجتها إزاء العديد من الإصلاحات التي تدعم السوق، والتي وضعها المستشار السابق جيرهارد شرودر، والتي عززت في السابق نمو الناتج المحلي الإجمالي القوي للبلاد. ورغم أن كبار المتنبئين الألمان يتوقعون أن البلاد ستتجنب الركود بهامش صغير في عام 2024، فإن آفاقها الاقتصادية تنطوي على مخاطر محتملة.

وتتمتع فرنسا بأداء اقتصادي أفضل قليلاً؛ بيد أنها عانت من عجز مالي بنسبة 5.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023؛ وتشهد أسعار الفائدة الحقيقية ارتفاعا على مستوى العالم، مما يعرض الحكومة الفرنسية لضغوطات من أجل تشديد سياستها. ومن ناحية أخرى، بعد سنوات من انخفاض الإنتاجية وقضايا الديون المستمرة، بدأت إيطاليا تنمو مرة أخرى؛ ويبدو أنها تسير على مسار إيجابي. ولا تزال اليونان، التي تتمتع بأكبر اقتصاد غير رسمي في الاتحاد الأوروبي، تواجه بعض التحديات، ويرجع هذا في المقام الأول إلى انتشار التهرب الضريبي.

ومع ذلك، هناك العديد من بوادر الأمل. أولا، لطالما تفوقت بلدان أوروبا الوسطى والشرقية على بلدان أوروبا الغربية من حيث الأداء الاقتصادي. واستنادا للمكتب الإحصائي للجماعات الأوروبية، تجاوزت بولندا كلاً من اليونان والبرتغال من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي؛ وتسير دول مثل رومانيا على المسار الصحيح لتحقيق إنجازات مماثلة في غضون السنوات الخمس المقبلة. وفي حين واجهت المجر تقلبات أسعار الصرفوانكماشا بنسبة 0.8 في المئة في عام 2023، وهو ما يعكس محاولات رئيس الوزراء فيكتور أوربان الحد من استقلال البنك المركزي، فمن المتوقع أن تعود البلاد إلى النمو القوي خلال عامي 2024 و2025.

ومن المؤكد أن بلدان أوروبا الوسطى والشرقية تعاني أيضاً من شيخوخة سكانية سريعة، شأنها في ذلك شأن نظيراتها في أوروبا الغربية. ومع ذلك، في الوقت الراهن، سوف تواصل دول شرق أوروبا التي تشهد نمواً سريعاً في رفع معدل النمو الإجمالي في أوروبا. وفي حين أن المراقبين الأميركيين غالباً ما لا يُقدرون التقدم الذي تحرزه هذه البلدان حق تقديره، فلا ينبغي أن يُستهان بقدرة الاتحاد الأوروبي على مساعدة الدول الأعضاء الجديدة في التغلب على المشاكل المؤسسية التي طال أمدها، وعلى الفساد.

ثانيا، تنمو بلدان جنوب أوروبا أيضا بوتيرة أسرع مقارنة مع بلدان شمال أوروبا، حيث تتفوق إسبانيا، والبرتغال، بل حتى اليونان على ألمانيا من حيث النمو بهامش كبير منذ عام 2020. ويعزى هذا جزئيا إلى الجهود التي بُذلت لسد فجوة النمو الذي كان هزيلا في السنوات التي أعقبت الأزمة المالية العالمية؛ ولكن نظراً لكون هذه الاقتصادات تتمتع بقطاع سياحي قوي، وتعتمد بقدر أقل على التصنيع، فمن الممكن أن يستمر هذا التفوق.

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions
PS_Sales_Spring_1333x1000_V1

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions

Subscribe now to gain greater access to Project Syndicate – including every commentary and our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – starting at just $49.99.

Subscribe Now

ثالثا، لن يكون من الحكمة عدم المراهنة على انتعاش طويل الأمد للاقتصاد الألماني. فعندما كنت طالب دراسات عليا في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، قدم أحد زملائي ورقة بحثية توضح كيف تفوقت ألمانيا الشرقية على اقتصادات الكتلة السوفيتية الأخرى. وقال مازحا: "إنهم لم يخترعوا بعد نظاما يتسم فيه الاقتصاد الألماني بعدم الفعالية". ورغم أن تحول ألمانيا الأخير نحو سياسات اليسار ربما يثبت في نهاية المطاف أن هذه الفرضية خاطئة، فمن المرجح أن تتمكن البلاد من تصحيح المسار والعودة إلى بناء بنية تحتية عالية الجودة.

رابعاً، قد تخلق الانتخابات المقبلة في مختلف أنحاء أوروبا قيادات فعّالة تشتد الحاجة إليها. إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان يعتبر فيما مضى خليفة المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، باعتبارها أكثر زعماء أوروبا نيلا للاحترام، ناضل من أجل معالجة التحديات الاقتصادية العديدة التي تواجهها بلاده؛ وقد تعرض لانتقادات بسبب سذاجته في التعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويواجه خليفة ميركل الفعلي في منصب المستشار الألماني، أولاف شولتز، معدلات تأييد هزيلة تجعل الرئيس الأمريكي جو بايدن يبدو أكثر شعبية بالمقارنة معه. ومع اقتراب موعد الانتخابات الفيدرالية في ألمانيا المرتقبة عام 2025، هناك احتمال حقيقي أن شولتز سيُستعاض عنه.

وعلى الرغم من تحقيق الاستقرار في المملكة المتحدة، إلا أن رئيس الوزراء ريشي سوناك يواجه عراقيل بسبب تصور واسع النطاق بأنه زعيم عاجز. وفي استطلاعات الرأي، حاليا يتخلف حزب المحافظين بزعامة سوناك بفارق كبير وراء حزب العمال الذي أعيد تنشيطه، والذي نجح في أن يكون وسطيا فيما يتعلق بالاقتصاد. وفي المقابل، أصبحت رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، واحدة من أكثر الزعماء فعالية وشعبية في أوروبا، ولم يكن ذلك متوقعاً.

وأخيرا، إن التهديد الذي يلوح في الأفق بانتصار روسيا في أوكرانيا يمكن أن يحفز التكامل المالي في أوروباـ وهو الاحتمال الذي لم يكن من الممكن تصوره منذ زمن ليس ببعيد. ومن ناحية أخرى، وكما زعمتُ في الآونة الأخيرة، من غير المرجح أن تنجح الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني في تخفيف الاضطرابات السياسية المستمرة في أميركا، مهما كانت نتائجها.

وكل هذا يشير إلى أن أوروبا لا يزال بوسعها أن تتدارك الوضع. إذ من الممكن أن تكرر أسواق الأسهم الأوروبية بسهولة الأداء القوي غير المتوقع الذي شهدته العام الماضي، مع الأخذ في الاعتبار أن التقييمات في أوروبا، قياساً على نسب السعر إلى الأرباح، أقل كثيراً من نظيراتها في الولايات المتحدة. ومع أن سوق الأسهم الأمريكية تفوقت لسنوات على سوق الأسهم الأوروبية من حيث الأداء، إلا أن الأمور قد تختلف في عام 2024.

ومع أن أداء الاقتصادات الأوروبية طالما كان دون المستوى، إلا أنه لا يوجد اتجاه يدوم إلى الأبد. ورغم أن التوقعات الاقتصادية لأوروبا تبدو قاتمة في الوقت الحالي، إلا أن آفاقها الاقتصادية قد تبدو أفضل قليلاً في وقت لاحق من هذا العام.

ترجمة: نعيمة أبروش      Translated by Naaima Abarouch

كينيث روغوف كبير خبراء الاقتصاد الأسبق في صندوق النقد الدولي، وأستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد، وحاصل على جائزة "دويتشه بنك" في الاقتصاد المالي لعام 2011. وهو مؤلف مشارك (مع كارمن إم راينهارت) لكتاب:

 This Time is Differen: Eight Centuries of Financial Folly (Princeton University Press, 2011)، ومؤلف كتاب:

https://prosyn.org/CEfYNT3ar