c071600246f86fc408d11b0b_pa3780c.jpg Paul Lachine

منطقة اليورو والمعركة الأخيرة

ميونيخ ـ إن الأزمة التي تمر بها منطقة اليورو اليوم تقترب من ذروتها. فاليونان مفلسة، والسندات البرتغالية والأيرلندية انخفض تقييمها إلى أن أصبحت بلا قيمة، وقد تفقد أسبانيا قدرتها على الوصول إلى الأسواق بسبب حالة عدم اليقين السياسي التي تضيف إلى محنها الضريبية والمالية، والضغوط المالية على إيطاليا تتصاعد على نحو مستمر.

بحلول عام 2012 سوف يتجاوز الدين العام اليوناني 160% من الناتج المحلي الإجمالي، ولن يتوقف عند هذا الحد. والبدائل المتاحة لإعادة هيكلة الدين تتضاءل بسرعة. وأي خطة إنقاذ رسمية شاملة للقطاع العام في اليونان (بالاستعانة بصندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوروبي، ومرفق الاستقرار المالي الأوروبي) من شأنها أن تشكل خطراً أخلاقياً هائلا: فهي مكلفة للغاية، وتكاد تكون في حكم المستحيل على المستوى السياسي نظراً للمقاومة الشديدة من جانب الناخبين في قلب منطقة اليورو. ـ بداية بالناخبين الألمان.

ومن ناحية أخرى فإن الاقتراح الفرنسي الحالي بالتمديد الطوعي من جانب البنوك للديون المستحقة على اليونان فاشل، لأنه يفرض أسعار فائدة باهظة على اليونانيين. وعلى نحو مماثل فإن إعادة شراء الدين سوف تشكل إهداراً غير عادي للموارد الرسمية، بسبب زيادة قيمة الديون المتبقية مع إعادة شرائها، وهو ما من شأنه أن يعود بالفائدة الأعظم على الدائنين وليس الجهة السيادية المدينة.

وبالتالي فإن الحل الوحيد الواقعي والمعقول يتلخص في عملية إعادة هيكلة منظمة وموجهة نحو السوق ـ ولكنها قسرية ـ للدين العام اليوناني بالكامل. ولكن كيف يتسنى تخفيف الديون السيادية من دون تكبيد البنوك اليونانية والبنوك الأجنبية الحاملة للسندات اليونانية خسائر جسيمة؟

تتلخص الإجابة على هذا السؤال في محاكاة الاستجابة لأزمات الديون السيادية في أوروجواي، وباكستان، وأوكرانيا، والعديد من الأسواق الناشئة الأخرى، حيث اتسمت عملية التبادل المنظم للديون القديمة بديون جديدة بثلاثة ملامح: قيمة اسمية متطابقة (أو ما أطلق عليه سندات "تكافؤ القيمة الاسمية")؛ وتاريخ استحقاق بعيد (من عشرين إلى ثلاثين عاما)؛ وتحديد أسعار الفائدة عند مستويات أدنى كثيراً من أسعار السوق غير المستدامة حاليا ـ وأقرب إلى أو أدنى من القسيمة الأصلية.

وحتى لو لم يتم خفض القيمة الاسمية للديون اليونانية، فإن تمديد تاريخ الاستحقاق سوف يشكل تخفيفاً هائلاً للديون اليونانية ـ على أساس القيمة الحالية ـ حيث أن كل يورو من الديون يستحق بعد ثلاثين عاماً من الآن يساوي اليوم أقل كثيراً من نفس اليورو المستحق بعد عام واحد من الآن. فضلاً عن ذلك فإن تمديد تاريخ الاستحقاق من شأنه أن يحل المشكلة المتمثلة في تحويل الاستثمارات بالنسبة للعقود المقبلة.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

إن الميزة في سندات تكافؤ القيمة الاسمية هي أن دائني اليونان ـ البنوك، وشركات التأمين، وصناديق التقاعد ـ سوف يتمكنون من الاستمرار في تقييم سنداتهم اليونانية عند 100 سنت على اليورو، وبالتالي تجنب الخسائر الهائلة في قوائمهم المالية. وهذا بدوره من شأنه أن يحتوي خطر العدوى المالية.

وسوف تنظر وكالات التصنيف إلى تبادل الدين على هذا النحو باعتباره "حدثاً ائتمانيا"، ولكن لفترة قصيرة للغاية ـ بضعة أسابيع. ولنتأمل هنا حالة أوروجواي، التي تم خفض تقييمها إلى "العجز الانتقائي عن سداد الديون" لمدة أسبوعين بينما كانت عملية التبادل جارية، ثم تم رفع تقييمها (ولكن ليس إلى درجة الاستثمار) عندما أصبح الدين العام أكثر استدامة بفضل نجاح سوق الأوراق المالية هناك. والواقع أن البنك المركزي الأوروبي والبنوك الدائنة بوسعها أن تتعايش لمدة أسبوعين أو ثلاثة مع خفض مؤقت لتقييم الديون اليونانية.

فضل عن ذلك فإن عدد من سيرفضون المشاركة في عملية التبادل سوف يكون قليلا. وتشير الخبرات السابقة إلى أن أغلب المتمسكين بتاريخ الاستحقاق الأصلي من المستثمرين قد يتقبلون سندات تكافؤ القيمة الاسمية، في حين أن أغلب المستثمرين من سوق إلى سوق سوف يتقبلون سندات خصم مع قسائم أعلى قيمة (بمعنى سندات ذات قيمة اسمية أدنى) ـ وهو البديل الذي يمكن عرضه (كما حدث في الماضي) على أمثال هؤلاء المستثمرين.

وفي الوقت نفسه فإن أفضل وسيلة لاحتواء العدوى المالية تتلخص في تنفيذ خطة أوروبية شاملة لإعادة تمويل بنوك منطقة اليورو. وهذا يعني ضمناً استخدام الموارد الرسمية مثل مرفق الاستقرار المالي الأوروبي، ليس لدعم اليونان المفلسة، بل لإعادة تمويل البنوك اليونانية ـ والأيرلندية، والأسبانية، والبرتغالية، والإيطالية، بل وحتى الألمانية والبلجيكية التي تحتاج إلى المزيد من رأس المال. وفي غضون ذلك، يتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يقدم موارد غير محدودة للبنوك التي تمر بضائقة فيما يتصل بالسيولة.

ومن أجل الحد من خطر الضغوط المالية على إيطاليا وأسبانيا، فيتعين على كل من البلدين أن يمضي قدماً في تدابير التقشف المالي والإصلاحات البنيوية. ومن الممكن فضلاً عن ذلك إقامة سياج حول ديون البلدين بالاستعانة بحزمة أضخم من موارد مرفق الاستقرار المالي الأوروبي و/أو إصدار سندات اليورو ـ وهو ما يمثل خطوة أخرى نحو التكامل المالي الأوروبي.

وأخيرا، تحتاج منطقة اليورو إلى سياسات قادرة على إعادة تحريك النمو الاقتصادي في البلدان الواقعة على محيطها الخارجي. ففي غياب النمو لن يسفر أي برنامج تقشفي أو إصلاحي إلا عن اضطرابات اجتماعية والتهديد المستمر بإحداث ردود أفعال سياسية عكسية، ومن دون استعادة القدرة على تحمل الديون. ويتعين على البنك المركزي الأوروبي إذا كان راغباً في إنعاش النمو أن يكف عن رفع أسعار الفائدة وأن يعكس مسارها الحالي. ويتعين على منطقة اليورو أيضاً أن تتبنى سياسة ـ من خلال سياسة نقدية أكثر مرونة جزئيا ـ تعمل على إضعاف قيمة اليورو بشكل كبير واستعادة القدرة التنافسية للبلدان الواقعة على محيطها الخارجي. كما يتعين على ألمانيا أن تؤخر تنفيذ خطة التقشف، حيث أن آخر ما تحتاج إليه منطقة اليورو الآن هو التقاعس الضريبي على نطاق واسع.

إن النهج العشوائي الذي تتبناه منطقة اليورو حالياً يشكل اختلالاً غير مستقر في التوازن. وإما أن تنتقل منطقة اليورو إلى توازن مختلف ـ قدر أعظم من التكامل الاقتصادي والمالي والسياسي، مع الاستعانة بسياسيات قادرة على استعادة النمو والقدرة التنافسية، بما في ذلك إعادة الهيكلة المنظمة للديون، وإضعاف اليورو ـ وإلا فإن الحال سوف تنتهي بها إلى حالات امتناع غير منضبط عن سداد الديون، وأزمات مصرفية، وفي النهاية تفكك الاتحاد النقدي.

إن الوضع الراهن لم يعد قابلاً للاستمرار. ولن يتسنى لمنطقة اليورو أن تنقذ نفسها الآن إلا بالاستعانة باستراتيجية شاملة.

https://prosyn.org/E4tfspmar