كيف نتدبر حياة أطول

روستوك ـ إن الناس في أغلب بلدان العالم يعيشون حياة متزايدة الطول. بل إن الارتفاع في متوسط العمر المتوقع يُعَد بمثابة مشكلة اجتماعية واقتصادية تلوح في الأفق. ولكن هل الأمر كذلك حقا؟

هناك للأسف سوء فهم ذو شقين وراء هذا السؤال. الأول أن هدية العمر الأطول ليست خاصة بأجيال بعيدة في المستقبل. ففي البلدان الصناعية، ولِدت بالفعل أول الأفواج من المعمرين. والثاني أن تحدي الحياة الأطول ليس بالمشكلة في واقع الأمر، بل إنه يشكل فرصة. فالناس يعيشون حياة أطول في صحة جيدة ـ وهو أهم إنجاز للحضارة الحديثة ـ ويتعين على المجتمعات اليوم أن تكيف أنظمتها التعليمية وسياساتها في تشغيل العمالة بما يلبي الاحتياجات الجديدة ورغبات الناس القادرين على التطلع إلى أعمار قد تتجاوز قرناً من الزمان.

في أكثر البلدان صحة، كان متوسط العمر المتوقع في ارتفاع منذ عام 1840 بمعدل ثابت بشكل ملحوظ بمقدار 2.5 عام في العقد الواحد. وفي أغلب البلدان النامية يرتفع متوسط العمر المتوقع بمعدلات أسرع مع لحاق تلك البلدان بمتوسط البلدان المتقدمة. وهناك استثناءات مأساوية في أفريقيا والاتحاد السوفييتي السابق، ولكن في المجمل يزداد مدى الحياة الموفورة الصحة طولاً بالنسبة لأغلب شعوب العالم.

رسم بياني: سنوات العمر الموفورة الصحة والعمر المتوقع عند الميلاد، وفقاً للجنس

إن المغزى الذي يحمله كل هذا في طياته للأفراد هائل إلى حد يجعلنا عاجزين عن المبالغة في تقديره. ولنتأمل وضع النشاء في ألمانيا، حيث ارتفع متوسط عمرهن المتوقع من 45 سنة في عام 1900 إلى 82 سنة اليوم ـ وهو التقدير الذي يستبعد التأثيرات المترتبة على المزيد من التقدم الطبي. ووفقاً للافتراض المعقول بأن الظروف الصحية تستمر في التحسن بالمعدل السائد طيلة الأعوام المائة والسبعين الماضية، فإن أغلب الأطفال الذين ولدوا في ألمانيا في عام 2000 سوف يظلون على قيد الحياة في عام 2100. وبوسعنا أن نعمم نفس التوقعات على مختلف أنحاء أوروبا الغربية، فضلاً عن كندا والولايات المتحدة واليابان.

والواقع أن البيانات لا تظهر أي احتمال لتباطؤ التقدم، ولا توجد أسباب نظرية قوية تجعلنا نشك في الحدود الطبيعية التي تلوح في الأفق لامتداد الأعمار. وقد تكون هناك حدود إذا تحدثنا عن 120 أو 200 عام؛ ولكن مرة أخرى قد لا تكون هناك حدود. ولكن بالنسبة للمستقبل المنظور، فمن المرجح أن يستمر متوسط العمر المتوقع في الارتفاع، وربما بنفس المعدل التاريخي الطويل الأمد الذي بلغ 2.5 عام في العقد الواحد، بل وربما بمعدل أسرع إذا حققت أبحاث الطب الحيوي اختراقات جديدة (أو ربما بمعدل أبطأ بعض الشيء إذا كان النمو الاقتصادي ضعيفا).

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

الواقع أن عملية الشيخوخة لم تتباطأ على النحو الذي يمنحنا فترة أطول من الضعف في نهاية الحياة. بل إن الموت هو الذي يتم تأجيله، فيصاحب ذلك الأمراض المزمنة والعجز: فالأمر ليس فقط أن متوسط العمر المتوقع في البلدان التي يتمتع أهلها بالصحة يرتفع بمعدل 2.5 عام في العقد الواحد فحسب، بل إن دورة الحياة الموفورة الصحة تزداد بنفس الوتيرة.

إن أجسادنا تشيخ. ويعاني العديد من الناس في نهاية حياتهم من أمراض وعاهات خطيرة. والواقع أن أعداد المسنين الضعفاء سوف تزداد مع بلوغ أبناء فترة ازدهار المواليد سن الشيخوخة. ولكن بوسع أغلب الناس قبل أن يبلغوا أعوامهم الأخيرة أن يتوقعوا صحة أفضل من التي تمتع بها آباؤهم أو أجدادهم. ففي الاقتصادات المتقدمة اليوم، سنجد أن من يبلغ من العمر سبعين عاماً يتمتع بنفس الصحة التي كان يتمتع بها من كان في الستين من العمر قبل خمسين عاما.

ولا ينبغي لنا أن نتجاهل هذا التطور الواعد عندما نفكر في تغيير سن التقاعد وغير ذلك من جوانب سياسة تشغيل العمالة. فسن 65 عاماً اليوم ليست كمثل نفس السن في الماضي، ولن تكون كمثل نفس السن في المستقبل. والواقع أن الجهود الرامية إلى زيادة سن التقاعد ولو لعامين فقط ـ والتي تعد في مجملها تدبيراً عاجلاً للحد من التعيينات الجديدة ـ كانت مثار جدال عظيم في الكثير من الأحيان. ولكن إذا كان من المرجح أن تستمر دورة الحياة الموفورة الصحة في الازدياد، فلماذا لا نستمر في تعديل سن التقاعد؟ ولماذا لا نلغي التقاعد الإلزامي ونترك للناس أن يقرروا إلى أي سن يرغبون في الاستمرار في العمل؟

إن التخلي عن سن التقاعد الإلزامية وفتح فرص العمل أمام القادرين على العمل في أعمار متقدمة من شأنه أن يخفف العبء المتمثل في زيادة أعداد المحالين إلى التقاعد وأن يمكن إعادة التوزيع المرغوبة للعمل عبر الأجيال.

إن العديد من الناس في الخمسينات والستينات من أعمارهم راغبون في الاستمرار كأشخاص منتجين اقتصاديا، وربما يعملون لمدد تتراوح بين عشرين إلى ثلاثين ساعة في الأسبوع. وفي الوقت نفسه يتوق الشباب إلى وقت أطول للتعليم، وأوقات الفراغ، والأصدقاء، وإنجاب الأطفال. ومن الممكن تلبية كل من الرغبتين إذا سمحت المجتمعات للأشخاص الأكبر سنا بالعمل لسنوات أطول مع تقليل ساعات العمل بالنسبة للجميع.

ومن بين الخيارات العملية أن نتحرك باتجاه متوسط 25 ساعة عمل في الأسبوع ومتوسط الحياة العاملة الذي يمتد إلى سبعين عاما ـ بل وحتى إلى سن أعلى إذا استمر متوسط العمر الموفور الصحة المتوقع في الارتفاع. ومن الممكن تنفيذ مثل هذا الإصلاح على مدى عدة عقود من دون إبطاء النمو الاقتصادي أو الحد من الازدهار.

في ظل حياة أطول وأكثر صحة، فإن الناس سوف يحظون بالمزيد من الفرص لاختيار الكيفية التي يريدون بها إنفاق أعمارهم التي قد تمتد إلى قرن من الزمان ـ أو ربما لفترة أطول ـ على كوكب الأرض. وبعيداً عن الخوف من الأعباء الكئيبة المتمثلة في وجود عدد كبير من كبار السن، فيتعين علينا أن نغتنم فرصة الحياة الأطول الأوفر صحة. وإذا كانت السياسات العامة ملائمة فإن الحياة الأطول سوف تكون أكثر سعادة أيضا.

https://prosyn.org/o98AGImar