carstens4_WAKIL KOHSARAFP via Getty Images_cbdcs WAKIL KOHSAR/AFP via Getty Images

عملات رقمية تصدرها البنوك المركزية لأجل الناس

لاهاي/بازل ــ تدرس البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم ما إذا كان من الواجب عليها أن تصدر عملات رقمية خاصة. على الرغم من الاستشهاد غالبا بالشمول المالي على أنه دافع رئيسي، فإن هذه النتيجة ليست تلقائية. فكيف على وجه التحديد يمكن تصميم عملات رقمية تصدرها البنوك المركزية لضمان تمكين "غير المتعاملين مع البنوك" من الوصول إلى الخدمات المالية الأساسية؟

وفقا للبنك الدولي، يبلغ عدد البالغين من غير المتعاملين مع البنوك حول العالم 1.7 مليار شخص. مع افتقارهم إلى القدرة على الوصول إلى الخدمات من القطاع المالي الرسمي، يضطرون إلى اللجوء إلى بدائل كبيرة التكلفة ومحفوفة بالمخاطر غالبا. هذا الاستبعاد المالي يرسخ الفقر، ويحد من الفرص، ويمنع الناس من حماية أنفسهم من شظف العيش والحرمان. إنه يخنق الأمل في مستقبل أفضل.

يبدأ الشمول المالي بالقدرة على سداد وتلقي المدفوعات، لكنه لا ينتهي بهذا. يحتاج الناس إلى طريقة سريعة وآمنة ورخيصة لتحويل الأموال. حتى يومنا هذا، نجحت البنوك المركزية إلى حد كبير في تلبية هذه الحاجة من خلال توفير الشكل الأكثر شمولا للأموال تحت تصرفنا حاليا: النقد. لكن استخدام النقد على وجه القصر يترك غير المتعاملين مع البنوك خارج النظام المالي الرسمي، وبدون البيانات وتتبع المعاملات اللازمة للوصول بسهولة إلى الخدمات المالية. وهذا من شأنه أن يزيد كثيرا من الصعوبات التي تواجهها الشركات الصغيرة لبناء المدخرات واكتساب القدرة على الوصول إلى الائتمان.

لكن مشهد المدفوعات يتغير، نظرا لتبني التكنولوجيات الرقمية والمتنقلة على نطاق واسع. تشهد المعاملات النقدية انخفاضا ملموسا وسط تحول نحو المدفوعات الرقمية ــ وهو الاتجاه الذي تسارع بفعل جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، عندما سجلت المعاملات عبر الإنترنت ارتفاعا كبيرا. في ضوء هذه التطورات الواسعة، بات من المحتم أن نعمل على سد الفجوة الرقمية المتزايدة الاتساع. الآن، أصبح لدى البنوك المركزية وصناع السياسات الفرصة لاستكشاف الإصلاحات، بما في ذلك إصدار البنوك المركزية لأموال رقمية للجميع.

الواقع أن العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية من الممكن أن توفر الفرصة للتغلب على بعض الحواجز التي تواجه غير المتعاملين مع البنوك. تنطوي الخدمات التقليدية على تكاليف ومتطلبات باهظة مثل رسوم المعاملات، أو الحد الأدنى من أرصدة الحسابات، أو الإثبات الرسمي للهوية. وتشمل عقبات إضافية انخفاض مستوى الثقة في المدفوعات الرقمية والافتقار إلى الهواتف الذكية بين بعض الفئات.

في حين أن العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية ليست الطريقة الوحيدة للتغلب على هذه الحواجز، فإنها قد تشكل جزءا من مجموعة أدوات الدمج. تعمل البنوك المركزية بالفعل على تنسيق المزيد من التحسينات لمدفوعات التجزئة من خلال اعتماد أنظمة دفع سريعة، وتمثل العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية امتدادا طبيعيا لهذه السلسلة المتصلة. ومن الممكن أن تعمل كل من أنظمة الدفع السريع والعملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية على تحفيز مقدمي الخدمات المتنافسين ودفعهم إلى تقديم خدمات جديدة، بأسعار أقل، وفي النهاية توسيع نطاق القدرة على الوصول إلى هذه الخدمات. تتمثل ميزة أخرى في العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية في أنها، بحكم طبيعتها، ستدمج المزايا الفريدة التي تتمتع بها أموال البنك المركزي ــ الأمان، وصِـفة النهائية، والسيولة، والسلامة.

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions
PS_Sales_Spring_1333x1000_V1

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions

Subscribe now to gain greater access to Project Syndicate – including every commentary and our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – starting at just $49.99.

Subscribe Now

الواقع أن العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية من الممكن أن تتجاوز العديد من المصالح التجارية المكتسبة التي نشأت حول أنظمة الدفع وساهمت في خلق أوجه القصور والتكاليف التي يتحملها المستخدمون. ومن الممكن أيضا أن تعمل على خفض التكاليف من خلال إزالة مخاطر الائتمان والسيولة الملازمة لأشكال أخرى من النقود الرقمية. تتمتع العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية بإمكانية ترقية أنظمة الدفع وربطها ــ محليا وعبر الحدود. ومن الممكن أن تحفز البلدان ذات البنية الأساسية المالية المحدودة فتدفعها إلى القفز مباشرة إلى ترتيب العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية، مما يخلق الفرصة للاتصال بنظام دفع شامل وآمن وفَـعّـال.

لا يخلو الأمر أيضا من فوائد تعود على السياسات الاجتماعية. على سبيل المثال، تستطيع الحكومات أن تستخدم العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية لتوجيه الدعم المالي للأسر المنخفضة الدخل، وهذا من شأنه أن يساعد في تعميق الشمول البعيد الأمد ويعمل كبوابة أخرى لخدمات مالية أخرى.

لتحقيق هذه الفوائد، يجب أن يكون طرح أي عملة رقمية صادرة عن بنك مركزي مصحوبا بإصلاحات للسياسات وضمانات للتصدي للصعوبات والمخاطر المحتملة، مثل المستويات المنخفضة من الإلمام بالمعرفة المالية والرقمية، والتحديات التشغيلية، بما في ذلك الأمن السيبراني. ويجب أن تعمل إصلاحات السياسات أيضا على منع تفكيك الوساطة: الخطر المتمثل في الاحتفاظ بالأموال بكميات ضخمة في محافظ العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية، بدلا من وضعها في ودائع في بنوك تجارية، مما يجعلها غير متاحة للإقراض (مثل الرهن العقاري) وغير ذلك من الأغراض الإنتاجية.

ينبغي للبنوك المركزية أن تنظر أيضا في تصميم العملات الرقمية التي تصدرها على النحو الذي يجعلها تحقق تكافؤ الفرص من خلال منح الناس القدرة على السيطرة على بيانات معاملاتهم ومشاركتها مع مجموعة أوسع من مقدمي الخدمات المالية. ويمكن معالجة المخاوف المتنامية بشأنه خصوصية البيانات من خلال جعل حماية البيانات الشخصية جزءا لا يتجزأ من بنية العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية.

سوف تتوفر للبنوك المركزية التي تستكشف العملات الرقمية العديد من خيارات التصميم لإيجاد التوازن بين حماية الخصوصية والشفافية، ولضمان الشمول المالي والنزاهة المالية. ويجب أن تدرس إمكانية منح القدرة على الوصول المباشر إلى المستهلكين أو استخدام نموذج وسيط بحت يقدم محافظ رقمية للعملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية من خلال البنوك أو مقدمي الخدمات المالية من غير البنوك. سوف يتطلب الأمر المزيد من الحوار، والبحث، والتجارب لإظهار أفضل كيفية يمكن أن تعمل بها العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية كمحركات للشمول المالي.

يقع على عاتق القائمين على البنوك المركزية وغيرهم من ممثلي القطاع العام واجب ضمان شمول النظام المالي، وانفتاحه، وتنافسيته، وقدرته على الاستجابة لاحتياجات ومصالح جميع الفئات. الحق أن العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية، إذا جرى تصميمها على النحو اللائق، تحمل وعدا عظيما بالمساعدة في دعم نظام مالي رقمي يحقق مصالح الجميع.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/eI9DF22ar