سول ــ كان غزو روسيا غير الشرعي لأوكرانيا ــ في محاولة سافرة لتدمير دولة مستقلة ذات سيادة تعيش في سلام ضمن حدود معترف بها ــ سببا في إثارة تساؤلات عميقة حول العالَـم الذي نريد أن نحيا فيه وكيف يجب أن تُـدار العلاقات الدولية في المستقبل. بعد مرور عام كامل، أصبح البحث عن إجابات أكثر إلحاحا، ويجب أن يشمل الدول القريبة من الحرب والبعيدة عنها.
إن التقاعس عن الدفاع عن المبادئ الأساسية للسيادة والاستقلال في أي مكان يهدد بفتح الباب أمام الأنظمة الاستبدادية والعدوانية في كل مكان. لكي نعيش في عالَـم حيث تُـحَـل النزاعات بين الدول من خلال المفاوضات وليس بالقوة، يجب أن ندرك أن تحدي الحرب للنظام الدولي القائم منذ عام 1945 يؤثر على كل دولة، بصرف النظر عن نظامها السياسي أو تحالفاتها. الواقع أن الدول الأصغر حجما والأقل قوة هي التي ستتكبد القدر الأعظم من المعاناة إذا انقسم العالم إلى كتل متنافسة، كما كانت الحال أثناء الحرب الباردة.
بصفتنا الأمين العام السابق للأمم المتحدة والرئيس السابق لدولة كولومبيا، فإننا لا ننظر إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا من منظور أوروبي أو غربي. عندما قمنا بزيارة إلى كييف في أغسطس/آب من عام 2022 بدعوة من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ذهبنا إلى هناك بوصفنا عضوين في منظمة الحكماء، المجموعة التي تتألف من قادة مستقلين والتي أسسها نيلسون مانديلا للدفاع عن السلام، والعدالة، وحقوق الإنسان، ومستقبل مستدام على هذا الكوكب. بصفتنا من الحكماء، نحن معنيون بإنهاء الحروب، وليس الفوز بها، ونعتقد عن يقين أنه ليس من السابق للأوان أبدا البدء في التحضير للحوار الذي يجب أن يدور في المستقبل لتحقيق سلام عادل ومستدام بما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة.
نحن ننظر إلى هذه الحرب الرهيبة وعواقبها من خلال عدسة عالمية، وندرك أن قضايا مثل الدفاع عن المعايير والأعراف الدولية ومحاسبة روسيا، من منظور البلدان التي تعاني من التضخم والفقر بسبب انهيار الإمدادات من الحبوب وارتفاع أسعار الطاقة إلى عنان السماء، أقل إلحاحا من أزمة الأمن الغذائي التي تهدد الملايين من البشر المستضعفين.
على نحو مماثل، نتفهم لماذا تسعى بعض البلدان، في وقت حيث أصبحت ديناميكيات القوة الجيوسياسية أقل قابلية للتنبؤ، إلى إيجاد التوازن بين مصالحها السياسية والاقتصادية بطرق تعتقد أنها ستساعدها في صيانة أمنها ورخائها في المستقبل. من منظور بلدان عديدة في أفريقيا وأسيا وأميركا اللاتينية، لا يعدو الحديث في الغرب عن التمسك بقيم المجتمع الدولي كونه عبارات جوفاء، نظرا لفشل الدول الغنية في توزيع اللقاحات بشكل عادل أثناء جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، أو تسليم التمويل الذي وعدت به لفترة طويلة لتعزيز جهود التصدي لأزمة المناخ.
مع ذلك، يجب ألا تكون استجابة آسيا وأميركا اللاتينية، وأجزاء أخرى من العالم خارج أوروبا وأميركا الشمالية، التراجع عن القانون الدولي والحقوق العالمية، أو التزام الحياد تجاه ما يحدث في أوكرانيا. فعلى عكس ما يقترحه بعض المراقبين، لا يعزز الحياد آفاق السلام؛ بل إنه يشجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ببساطة على الإصرار على هدفه المتمثل في تدمير أوكرانيا، وقد يشجع تصرفات عدوانية ومساع مماثلة للتوسع الإقليمي في أماكن أخرى.
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
مرت ثمانون عاما منذ صدر إعلان موسكو، عندما تعهد حلفاء زمن الحرب بإنشاء "منظمة دولية عامة تقوم على مبدأ المساواة في السيادة بين كل الدول المحبة للسلام". اليوم، نحن في احتياج إلى التزام متجدد من جانب كل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للاضطلاع بدورها في إعادة تنشيط نظام قائم على القواعد العادلة التي تحمي الجميع، بما في ذلك الأقل قوة، وتعمل من أجلهم.
تتطلب إعادة تنشيط النظام الدولي والعمل على ضمان استدامته أنظمة أكثر عدلا للحوكمة العالمية وقدرا أعظم من الاتساق في تطبيق القواعد. ويجب أن تضطلع القوى الإقليمي الصاعدة بدور حيوي ــ وأن تتخذ اختيارات مهمة ــ في هذا الصدد. أظهرت قمة مجموعة العشرين التي استضافتها بالي العام الماضي كيف من الممكن أن تساعد قوى إقليمية مثل إندونيسيا في رأب الصدع وعلاج الانقسامات. أعاد القادة السياسيون التأكيد على مركزية ميثاق الأمم المتحدة وكانوا حريصين على ضمان انعكاس مصالح الجنوب العالمي في المناقشات والتعهدات النهائية، مثل المناقشات بشأن أمن الغذاء والطاقة.
الآن، تعرض رئاسة الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا لمجموعة العشرين الفرصة للبناء على إنجازات إندونيسيا على مدار السنوات الثلاث المقبلة. ولا يجوز لنا أن نسمح لخطوط الصدع الحالية بحجب الهدف الأساسي الذي نتشارك فيه جميعا: الحياة في عالَـم حيث تسوى النزاعات سلميا ووفقا للقانون الدولي والتزامات حقوق الإنسان.
الواقع أن استعادة مصداقية النظام المتعدد الأطراف تستلزم المزيد من القيادة الأخلاقية والاتساق الأخلاقي. كما تتطلب إدخال إصلاحات طموحة على بنية السلم والأمن العالميين ــ وهي المهمة التي يجب أن تشمل القضية الشائكة المتمثلة في إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
نحن في احتياج إلى نظام أكثر إنصافا وتمثيلا وقدرة على اتخاذ تدابير حاسمة في الرد على الانتهاكات الجسيمة لميثاق الأمم المتحدة. وبينما نقترب من قمة المستقبل التي خطط أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لعقدها في العام المقبل، فإننا مدينون، ليس فقط للشعب الأوكراني، بل للبشرية جمعاء، برفض العدوان ومنع المعتدين من الإفلات من العقاب. بهذه الطريقة يصبح بوسعنا أن نفي بوعد ميثاق الأمم المتحدة بعالَـم خال من ويلات الحروب.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
The dollar's strength, particularly against major Asian currencies, has triggered a wave of skittishness in financial markets. Can anything be done to stem the greenback's rise, and even if something can be done, should it?
asks whether anything can or should be done about the greenback's strength, especially against Asian currencies.
While the ongoing pro-Palestinian student protests have many superficial similarities to the student uprisings of the late 1960s, only the latter envisioned a new political movement to ameliorate the ills of their time. The current protesters' goals are far more modest, which makes them all the more tragic.
sees the pro-Palestinian student demonstrations as a signal of a much deeper, widespread malaise.
سول ــ كان غزو روسيا غير الشرعي لأوكرانيا ــ في محاولة سافرة لتدمير دولة مستقلة ذات سيادة تعيش في سلام ضمن حدود معترف بها ــ سببا في إثارة تساؤلات عميقة حول العالَـم الذي نريد أن نحيا فيه وكيف يجب أن تُـدار العلاقات الدولية في المستقبل. بعد مرور عام كامل، أصبح البحث عن إجابات أكثر إلحاحا، ويجب أن يشمل الدول القريبة من الحرب والبعيدة عنها.
إن التقاعس عن الدفاع عن المبادئ الأساسية للسيادة والاستقلال في أي مكان يهدد بفتح الباب أمام الأنظمة الاستبدادية والعدوانية في كل مكان. لكي نعيش في عالَـم حيث تُـحَـل النزاعات بين الدول من خلال المفاوضات وليس بالقوة، يجب أن ندرك أن تحدي الحرب للنظام الدولي القائم منذ عام 1945 يؤثر على كل دولة، بصرف النظر عن نظامها السياسي أو تحالفاتها. الواقع أن الدول الأصغر حجما والأقل قوة هي التي ستتكبد القدر الأعظم من المعاناة إذا انقسم العالم إلى كتل متنافسة، كما كانت الحال أثناء الحرب الباردة.
بصفتنا الأمين العام السابق للأمم المتحدة والرئيس السابق لدولة كولومبيا، فإننا لا ننظر إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا من منظور أوروبي أو غربي. عندما قمنا بزيارة إلى كييف في أغسطس/آب من عام 2022 بدعوة من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ذهبنا إلى هناك بوصفنا عضوين في منظمة الحكماء، المجموعة التي تتألف من قادة مستقلين والتي أسسها نيلسون مانديلا للدفاع عن السلام، والعدالة، وحقوق الإنسان، ومستقبل مستدام على هذا الكوكب. بصفتنا من الحكماء، نحن معنيون بإنهاء الحروب، وليس الفوز بها، ونعتقد عن يقين أنه ليس من السابق للأوان أبدا البدء في التحضير للحوار الذي يجب أن يدور في المستقبل لتحقيق سلام عادل ومستدام بما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة.
نحن ننظر إلى هذه الحرب الرهيبة وعواقبها من خلال عدسة عالمية، وندرك أن قضايا مثل الدفاع عن المعايير والأعراف الدولية ومحاسبة روسيا، من منظور البلدان التي تعاني من التضخم والفقر بسبب انهيار الإمدادات من الحبوب وارتفاع أسعار الطاقة إلى عنان السماء، أقل إلحاحا من أزمة الأمن الغذائي التي تهدد الملايين من البشر المستضعفين.
على نحو مماثل، نتفهم لماذا تسعى بعض البلدان، في وقت حيث أصبحت ديناميكيات القوة الجيوسياسية أقل قابلية للتنبؤ، إلى إيجاد التوازن بين مصالحها السياسية والاقتصادية بطرق تعتقد أنها ستساعدها في صيانة أمنها ورخائها في المستقبل. من منظور بلدان عديدة في أفريقيا وأسيا وأميركا اللاتينية، لا يعدو الحديث في الغرب عن التمسك بقيم المجتمع الدولي كونه عبارات جوفاء، نظرا لفشل الدول الغنية في توزيع اللقاحات بشكل عادل أثناء جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، أو تسليم التمويل الذي وعدت به لفترة طويلة لتعزيز جهود التصدي لأزمة المناخ.
مع ذلك، يجب ألا تكون استجابة آسيا وأميركا اللاتينية، وأجزاء أخرى من العالم خارج أوروبا وأميركا الشمالية، التراجع عن القانون الدولي والحقوق العالمية، أو التزام الحياد تجاه ما يحدث في أوكرانيا. فعلى عكس ما يقترحه بعض المراقبين، لا يعزز الحياد آفاق السلام؛ بل إنه يشجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ببساطة على الإصرار على هدفه المتمثل في تدمير أوكرانيا، وقد يشجع تصرفات عدوانية ومساع مماثلة للتوسع الإقليمي في أماكن أخرى.
Subscribe to PS Digital
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
مرت ثمانون عاما منذ صدر إعلان موسكو، عندما تعهد حلفاء زمن الحرب بإنشاء "منظمة دولية عامة تقوم على مبدأ المساواة في السيادة بين كل الدول المحبة للسلام". اليوم، نحن في احتياج إلى التزام متجدد من جانب كل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للاضطلاع بدورها في إعادة تنشيط نظام قائم على القواعد العادلة التي تحمي الجميع، بما في ذلك الأقل قوة، وتعمل من أجلهم.
تتطلب إعادة تنشيط النظام الدولي والعمل على ضمان استدامته أنظمة أكثر عدلا للحوكمة العالمية وقدرا أعظم من الاتساق في تطبيق القواعد. ويجب أن تضطلع القوى الإقليمي الصاعدة بدور حيوي ــ وأن تتخذ اختيارات مهمة ــ في هذا الصدد. أظهرت قمة مجموعة العشرين التي استضافتها بالي العام الماضي كيف من الممكن أن تساعد قوى إقليمية مثل إندونيسيا في رأب الصدع وعلاج الانقسامات. أعاد القادة السياسيون التأكيد على مركزية ميثاق الأمم المتحدة وكانوا حريصين على ضمان انعكاس مصالح الجنوب العالمي في المناقشات والتعهدات النهائية، مثل المناقشات بشأن أمن الغذاء والطاقة.
الآن، تعرض رئاسة الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا لمجموعة العشرين الفرصة للبناء على إنجازات إندونيسيا على مدار السنوات الثلاث المقبلة. ولا يجوز لنا أن نسمح لخطوط الصدع الحالية بحجب الهدف الأساسي الذي نتشارك فيه جميعا: الحياة في عالَـم حيث تسوى النزاعات سلميا ووفقا للقانون الدولي والتزامات حقوق الإنسان.
الواقع أن استعادة مصداقية النظام المتعدد الأطراف تستلزم المزيد من القيادة الأخلاقية والاتساق الأخلاقي. كما تتطلب إدخال إصلاحات طموحة على بنية السلم والأمن العالميين ــ وهي المهمة التي يجب أن تشمل القضية الشائكة المتمثلة في إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
نحن في احتياج إلى نظام أكثر إنصافا وتمثيلا وقدرة على اتخاذ تدابير حاسمة في الرد على الانتهاكات الجسيمة لميثاق الأمم المتحدة. وبينما نقترب من قمة المستقبل التي خطط أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لعقدها في العام المقبل، فإننا مدينون، ليس فقط للشعب الأوكراني، بل للبشرية جمعاء، برفض العدوان ومنع المعتدين من الإفلات من العقاب. بهذه الطريقة يصبح بوسعنا أن نفي بوعد ميثاق الأمم المتحدة بعالَـم خال من ويلات الحروب.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali