Utilitarian prison cells tower Friman/Wikimedia Commons

مغالطات بينثام في الماضي والحاضر

ملبورن- لقد بدأ جيرمي بينثام مؤسس ايدولوجية النفعية بالعمل سنة 1809 على كتاب يدعى كتاب المغالطات ولقد كان هدفه الكشف عن المغالطات المستخدمة من اجل اعاقة الاصلاحات مثل الغاء "الاحياء الفاسدة" وهي دوائر انتخابية ذات اعداد قليلة من الناخبين لدرجة ان لورد او صاحب املاك قوي يمكن عمليا ان يختار عضو البرلمان بينما بقيت المدن الاحدث مثل مانشتر بدون تمثيل .

لقد جمع بينثام امثلة على تلك المغالطات وكانت في الغالب من المناقشات البرلمانية وبحلول سنة 1811 قام بتصنيفها الى 50 نوع مختلف تقريبا بعناوين مثل " الهجوم علينا هو بحد ذاته هجوم على الحكومة "و" الجدل المتعلق بعدم وجود سابقة " بالاضافة الى مغالطة " جيد نظريا وسيء عمليا " (ان الشيء الذي يتفق عليه كل من ايمانويل كانت وبينثام هو ان المثال الاخير يعتبر مغالطة فلو كان شيء ما سيء عمليا فلا بد ان يكون هناك عيب في النظرية ).

وعليه كان بينثام رائدا في احدى مجالات العلم والتي حققت تقدما كبيرا في السنوات الاخيرة. لقد كان بيثام ليقدر عمل علماء النفس والذين اظهروا اننا ننحاز الى التأكيد (نحن نفضل ونتذكر المعلومات التي تدعم وليست التي تتعارض مع معتقداتنا) أي اننا نقوم بشكل منهجي بالمبالغة في تقدير دقة معتقداتنا (تأثير الثقة الزائدة) واننا نميل الى الاستجابة لمعاناة شخص وحيد يمكن التعرف عليه عوضا عن عدد كبير من الناس والذين ليس بحوزتنا الا معلومات احصائية عنهم فقط.

لم يسارع بينثام لنشر كتابه . لقد ظهرت نسخة مختصرة بالفرنسية سنة 1816 وبالانجليزية سنة 1824 ولكن العمل الكامل بقي على شكل مخطوطة حتى نشره هذا العام كجزء من مشروع مستمر تحت اشراف فيليب شوفيلد من الكلية الجامعية في لندن لنشر الاعمال التي تم جمعها لبينثام.

ان بعض المغالطات التي حددها بينثام ما تزال موجودة وهناك مغالطات اخرى اصبحت أقل اهمية. ان المغالطة المتعلقة "بحكمة اسلافنا" عادة ما يتم استحضارها في المناقشات المتعلقة بزواج المثليين. ان اي شخص يعرف المناقشات السياسية في الولايات المتحدة الامريكية سوف يتعرف مباشرة على نسخة اكثر تحديدا يمكن ان يطلق عليها مغالطة "حكمة الاباء المؤسسين ".

ان من المغالطات الاخرى المشهورة في ايام بينثام وايامنا هي تلك التي وصفها ب " ماذا؟ المزيد من الوظائف ؟" ولقد عنى بكلمة الوظائف المزيد من الانفاق الحكومي ولقد اعتبر ان هذه مغالطة بسبب ان المعارضة الشاملة للمزيد من الانفاق الحكومي تفشل في ان تأخذ بعين الاعتبار الخير الذي يمكن ان يحققه المزيد من الموظفين .

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

لكن "المغالطات " والتي تتحدى بحق القارىء المعاصر هي تلك التي تصف الحجج والتي تعتبر مقبولة اليوم على نطاق واسع وخاصة في اكثر الدوائر تعليما وتثقيفا. ان احدى تلك المغالطات يقول بينثام في مقارنة ملفتة " هي التي يمكن ان يطلق عليها مغالطة واعظ الفوضى أو مغالطة حقوق الرجل "

عندما يجادل الناس ضد اجراء مقترح على اساس انه ينتهك"حقوق الرجل" او ما يطلق عليه اليوم "حقوق الانسان" فإنهم بذلك كما يدعي بينثام يستخدمون احكام عامة غامضة من اجل صرف انتباهنا عن تقييم نفعية الاجراء. ان بينثام يقبل انه يمكن من اجل صالح المجتمع ان يمنح القانون حقوق معينة للناس . ان ما يهدد بجعلنا نقترب من الفوضى حسب رأيه هو فكرة ان لدي حقوق محددة فعليا وبشكل مستقل عن القانون وبينما يدعو مبدأ النفعية للتحقيق وتقديم الحجج ،يعتقد بينثام ان اولئك الذين يؤيدون مثل تلك الحقوق القائمة مسبقا يقومون بازدراء كليهما ومن المرجح ان يقوموا بتحريض الناس على استخدام القوة.

ان اعتراض بينثام على "الحقوق الطبيعية " عادة ما يستشهد به ولكن الذي تتم مناقشته بشكل اقل هو ما يطلق عليه بيثنام " الاداة التي تقيد الاجيال القادمة " فعلى سبيل المثال هناك قانون الاتحاد بين انجلترا واسكتلندا والذي يتطلب من الملوك المتعاقبين للملكة المتحدة ان يقسموا على المحافظة على كنيسة اسكتلندا وكنيسة انجلترا فلو شعرت الاجيال القادة انها مقيدة بمثل تلك الاحكام فهم حسب اعتقاد بينثام قد تم استعبادهم من قبل طغاة ماتوا منذ زمن بعيد.

ان اعتراض بينثام على مثل تلك المحاولات من اجل تقييد الاجيال القادمة لا تنطبق فقط على الاتحاد الذي انشأ المملكة المتحدة ولكن ايضا على ذلك الاتحاد الذي شكل الولايات المتحدة الامريكية : لماذا يتوجب على الجيل الحالي ان يعتبر نفسه ملزم بما تم اقراره قبل مئات السنين ؟ وبخلاف من وضعوا الدستور الامريكي فنحن لدينا قرون من الخبرة من اجل الحكم ما اذا كان ذلك الدستور " يعزز الرعاية العامة " او لا يعزز تلك الرعاية .

لو كان يعزز فإن لدينا ما يبرر الاحتفاظ به ولكن لو لم يعزز أفليس لدينا كامل القوة والحق بتغيير الترتيبات التي يتم حكمنا بموجبها كما كانت لدى من قاموا بصياغتها في المقام الاول؟ لو كان لدينا هذا الحق فلماذا تكون هذه الاحكام والتي تجعل تغيير الدستور صعبا للغاية ملزمة لغالبية الناخبين ؟

في حالة اتحاد دولتين او اكثر من الدول السيادية السابقة فإن بينثام حساس لمشكلة تقديم تطمينات للدول الاصغر بإن الدول الاكبر لن تهمين عليها فنظرا لاستحالة الزام الاجيال القادمة فإن بينثام يولي ثقته في الاعتقاد بانه عاجلا ام اجلا فإن المجتمعين بعد ان عاشوا تحت ظل حكومة واحدة سوف يندمجوا في مجتمع واحد.

ان الدعم العام للاستقلال في اسكتلندا وكاتالونيا يثبت ان هذا الكلام لا ينطبق على جميع الحالات وبالطبع بينثام كان سيقبل احتمالية ان يكون على خطأ فالحجة المتعلقة بقبول الحجج بدون مناقشة هي احدى تلك المغالطات التي رفضها بينثام.

https://prosyn.org/wKOcFCVar