pongsudhirak15_David MmrSOPA ImagesLightRocket via Getty Images_myanmar coup David Mmr/SOPA Images/LightRocket via Getty Images

قَـلْـب موازين الحرب الأهلية في ميانمار

بانكوك ــ تتخذ النزاعات داخل البلدان وفيما بنيها أشكالا عديدة، لكنها تدور دوما حول السلطة. يصدق هذا على الانقلاب العسكري الوحشي الذي أطاح بحكومة ميانمار المنتخبة قبل عامين، كما يصدق على الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا. ولكن في حين هيمنت محنة أوكرانيا على عناوين الأخبار العالمية واجتذبت مليارات الدولارات من المعدات العسكرية وغير ذلك من المساعدات، فإن قـهـر ميانمار من الداخل مَـرّ دون أن يلاحظه أحد في الخارج إلى حد كبير، ولم تتلق المعارضة المدنية سوى القليل من الدعم.

من المؤكد أن جنوب شرق آسيا منطقة مَـيّـالة إلى الانقلابات. فقد قاسَـت كمبوديا وإندونيسيا والفلبين من "عصور الانقلابات" قبل أن تستقر على مسارات شبه ديمقراطية، وإن كانت بخصائص استبدادية. تحملت تايلاند محاولتين انقلابيتين منذ عام 2006، ولم تتمكن حتى الآن من التوصل إلى صفقة سياسية كفيلة بكسر القبضة العسكرية والملكية المشتركة على السلطة.

بيد أن ميانمار تتصدر القائمة. فقد استولى جنرالاتها على السلطة في عام 1962. ورغم أن الحكم العسكري المباشر أفسح المجال في النهاية لدكتاتورية دستورية، فلم يُـحَـلّ المجلس العسكري رسميا ولم تُـشَـكَّـل حكومة مدنية اسميا حتى عام 2011. ولكن حتى في ذلك الوقت، احتفظت المؤسسة العسكرية بقيادة الجنرال ثين سين بمفاصل السلطة الرئيسية.

خلال العقد التالي، شهدت ميانمار التحرير السياسي، والإصلاح الاقتصادي، والتقدم الحقيقي في مجال التنمية. مع تدفق الاستثمار الأجنبي، وازدهار الأعمال، وإقامة السفارات، بدت ميانمار حريصة على نحو متزايد على ترك الحكم العسكري في الماضي حيث ينتمي. وساعدت دورتان انتخابيتان متتاليتان ــ في عام 2015 ثم في عام 2020 ــ على تعزيز السلطة المدنية، حيث نجحت الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بقيادة أونج سان سون كي في تأمين انتصارات ساحقة على حزب الاتحاد للتضامن والتنمية التابع للمؤسسة العسكرية.

بعد معاناة دامت عشرات السنين من الدكتاتورية واليأس، رأي مجتمع ميانمار المتنوع عِـرقيا ــ وخاصة فئة الشباب ــ بصيصا من الأمل في مستقبل أكثر ازدهارا وديمقراطية. لكن آمالهم تبددت في فبراير/شباط 2021 ــ بعد أقل من ثلاثة أشهر من آخر انتخابات عقدت في البلاد ــ عندما قام القائد الأعلى للقوات المسلحة مين أونج هلينج بتدبير انقلاب جديد.

ولكن هذه المرة لم يخضع شعب ميانمار. بعد الانقلاب مباشرة، خرج مئات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع للاحتجاج على استيلاء المؤسسة العسكرية على السلطة. بمرور الأشهر، حَـجَـب المجلس العسكري الإنترنت، وأعلن الأحكام العرفية، وأطلق حملة أمنية قمعية عنيفة: بحسب التقارير قتل النظام ما يقرب من 3000 مدني واعتقل نحو 17 ألفا. لكن الشعب استمر في المقاومة.

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions
PS_Sales_Spring_1333x1000_V1

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions

Subscribe now to gain greater access to Project Syndicate – including every commentary and our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – starting at just $49.99.

Subscribe Now

في غضون أيام من الانقلاب، وَحَّـدَ المتظاهرون قواهم مع لجنة تمثل أعضاء البرلمان من الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الذين انـتُـخِـبوا في الانتخابات السابقة. وأفضى هذا إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في إبريل/نيسان، والتي ضمت أعضاء الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، وأحزابا أخرى، ومستقلين. بعملها بالترادف مع المجلس الاستشاري للوحدة الوطنية، تروج حكومة الوحدة الوطنية لرؤية تتمثل في حكومة شاملة بقيادة مدنية تخدم أغلبية بامار والأقليات العرقية على حد سواء.

في الوقت ذاته، بدأت المنظمات المسلحة الـعِـرقية في ميانمار، وخاصة منظمة كارينز (Karens) بالقرب من الحدود مع تايلاند ومنظمة كاتشينز (Kachins) في الشمال، تلاحق عمليات قتالية صريحة ضد المؤسسة العسكرية المتمرسة على القتال. ثم في شهر مايو/أيار، تَـشَـكَّـل الجناح المسلح لحكومة الوحدة الوطنية، أو قوة الدفاع الشعبية ــ وهذا استعراض رائع للتحدي من قِـبَـل شباب ميانمار، الذين يشكلون غالبية الميليشيات المحلية التي تتألف منها قوة الدفاع الشعبية. في رفضهم التخلي عن الحرية التي حُـرِم منها أسلافهم، حملوا أسلحة بدائية، وغالبا منزلية الصنع، وبدأوا القتال بالتعاون مع المنظمات المسلحة الـعِـرقية.

على الرغم من غياب أي هيكل قيادي مركزي أو دعم دولي، أصبحت ميليشيات قوة الدفاع الشعبية المتنافرة منسقة وماهرة على نحو متزايد في استخدام تكتيكات حرب العصابات، وبدأت تنفذ عمليات اغتيال موجهة. ونظرا للتأييد الواسع الانتشار لقضيتهم، فإن صفوفهم آخذة في الازدياد والنمو.

لا تزال المؤسسة العسكرية في ميانمار تتمتع بميزة الدروع، والمدفعية، والقوة الجوية. لكن المقاومة الحازمة التي شنها شعب ميانمار منعت المجلس العسكري من اكتساب السلطة الكاملة على البلاد، التي يسيطر على نصفها تقريبا الآن تحالف المعارضة. ورغم أن المؤسسة العسكرية قادرة على توليد القدر الكافي من الأموال النقدية لدعم حكمها الـمُـرَقَّـع عن طريق بيع الموارد الطبيعية، فقد اقتربت الحرب الأهلية في ميانمار من حالة من التوقف والجمود.

حتى الآن، لم يفعل المجتمع الدولي الكثير لمساعدة شعب ميانمار، حتى في حين يتحملون أزمة إنسانية طاحنة تذكرنا بأحلك أيام الدكتاتورية. صحيح أن عقوبات فُـرِضَـت وإدانات صدرت، لكن الصين تدعم المجلس العسكري، الذي تزوده روسيا بالسلاح. وحتى رابطة دول جنوب شرق آسيا ــ التي تضم ميانمار ــ كانت غير فَـعّـالة ولم تفعل شيئا يُـذكَّـر لجلب الحوار السلمي.

بدلا من التواطؤ عمليا في الجرائم التي يرتكبها المجلس العسكري ضد شعبه، ينبغي للمجتمع الدولي أن يعترف بحكومة الوحدة الوطنية، التي أثبتت ذاتها كحكومة قابلة للاستمرار وقادرة على توفير الاتجاه السياسي وجمع الإيرادات من المؤيدين المحليين والمغتربين. ولأن الفوز بالحرب الأهلية أو خسارتها تتوقف في النهاية على سير الأحداث في ساحة القتال، فإن هذا يعني أيضا تسليح المعارضة بأسلحة دفاعية، وخاصة الأسلحة المحمولة المضادة للطائرات، والتي من شأنها أن تعمل على تحييد الغارات الجوية العقابية التي تودي غالبا بأرواح المدنيين.

إن أهل ميانمار يخاطرون بحياتهم لاستعادة المستقبل الذي سرقه منهم نظام شنيع. وهم يستحقون دعم المجتمع الدولي، تماما كما يستحقه المدافعون عن أوكرانيا.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/otAZQGnar