akhtar2_ Artur WidakNurPhoto via Getty Images_covid business closed Artur Widak/NurPhoto via Getty Images

خطة مجموعة العشرين في التعامل مع الديون لا تفي بالحاجة

إسلام أباد/بوسطن/لندن ــ جاءت أزمة جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) في أسوأ وقت ممكن للبشرية. كانت أفقر البلدان تناضل بالفعل لتلبية أهدافها الإنمائية في مواجهة الأعاصير، وحرائق الغابات، وموجات الجفاف، والآن لم يتبق أمام العالم سوى عقد فقط من الزمن لإبطاء الزيادات في درجات الحرارة العالمية ومستويات سطح البحر قبل أن تصبح كارثية، والاستثمار في التنمية القادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ.

تتمتع الاقتصادات المتقدمة بالإمكانات اللازمة ــ وإن كانت لا تمتلك الإرادة دائما ــ للاقتراض بتكاليف رخيصة وتنفيذ حزم التحفيز الخضراء الشاملة لإعادة البناء بشكل أفضل بعد جائحة كوفيد-19. لكن العديد من الأسواق الناشئة والبلدان النامية لا تتمتع بهذه الإمكانات، خاصة وأن حكوماتها تنفق ما يصل إلى 70% من إيراداتها على خدمة الديون الخارجية. والآن تواجه هذه البلدان اختيارا عصيبا: فإما أن تنفق بالقدر الكافي لحماية صحة مواطنيها وإعادة تشغيل اقتصاداتها، أو تسدد ديونها فلا يتبقى لها أي موارد تقريبا للتصدي للجائحة وإدارة عجلة التعافي الاقتصادي.

في محاولة لمعالجة هذه المشكلة، أنشأت مجموعة العشرين في وقت سابق من هذا العام مبادرة تعليق خدمة الديون، التي علقت سداد القروض الرسمية الثنائية المستحقة على الدول الأكثر فقرا حتى نهاية عام 2020. وفي وقت لاحق مددت فترة سريان المبادرة إلى منتصف عام 2021. وانطلاقا من إدراكهم لحقيقة مفادها أن هذه الخطوات لم تف بالغرض منها، تبنى قادة مجموعة العشرين إطارا في قمتهم الافتراضية التي انعقدت في الحادي والعشرين والثاني والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني لتجاوز تعليق الديون وتوفير التخفيف الفعلي للديون للبلدان المؤهلة للاستفادة من مبادرة تعليق خدمة الديون.

لكن على الرغم من ترحيبنا بقبول مجموعة العشريين للحاجة إلى تخفيف الديون، فإن إطارها الجديد لا يفي بالمطلوب من ثلاث نواح. فأولا، فشل الإطار في الإقرار بحقيقة مفادها أن البلدان ذات الدخل المتوسط، وهي موطن ثمانية من كل عشرة أشخاص على مستوى العالم دفعت بهم أزمة كوفيد-19 إلى الفقر المدقع، سيعانون أيضا من محنة الديون. وثانيا، يفتقر الإطار إلى خطة جديرة بالثقة لضمان اضطلاع القطاع الخاص أيضا بدوره في تخفيف الديون. وثالثا، لن تضمن المبادرة اختيار الاقتصادات الأكثر فقرا لمسارات خضراء وشاملة عندما تستأنف نشاطها، حيث تقوم الحكومات بتوجيه الموارد المحررة بعد تخفيف الديون نحو الوفاء بأهداف اتفاقية باريس للمناخ وأهداف التنمية المستدامة.

يتعين على صناع السياسات اليوم أن يتجنبوا خطط التحفيز التي تلحق الضرر بكل من البشر وكوكب الأرض. تُـظـهِـر دراسات حديثة عديدة أن الاستثمارات الخضراء ــ مثل بناء وإعادة تجهيز المساكن ومقار الشركات لتكون أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وتطوير تكنولوجيات خضراء مبدعة، وتدريب العمال على استخدامها ــ هي الأكثر ميلا إلى تحفيز النمو الاقتصادي. وقد توصلت وكالة الطاقة الدولية وصندوق النقد الدولي إلى استنتاجات مماثلة، حيث أظهر صندوق النقد الدولي أن خطة التعافي الأخضر التي تدعم أيضا الأسر سيكون أداؤها أفضل كثيرا من الخطة التقليدية.

إذا واصلنا زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فلن يكون هناك اقتصاد يمكن إنقاذه بعد أن ينهار إلى الأبد نظام المناخ والمصادر الطبيعية التي تكفل القدرة على الصمود. والتحفيز الاقتصادي في غياب استثمارات رحيمة بالمناخ في جوهرها ليس استثمارا طويل الأجل، بل هو بالأحرى مجرد أموال تسكب في البالوعة وتهديد لأجيال المستقبل.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

لكل هذا، نقترح مبادرة شاملة جديدة لتخفيف الديون تركز على تعزيز التعافي الأخضر الشامل. بموجب هذا المخطط، تتلقى البلدان الأفقر التي تعاني من مشاكل ديون ضخمة ــ على النحو المحدد من خلال تحليل محسن للقدرة على تحمل الديون أجراه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ــ برامج تخفيف الديون في مقابل الالتزام بمواءمة سياساتها الاقتصادية وقدرتها الجديدة على الإنفاق مع العمل المناخي وأهداف التنمية.

وسوف يعرض الدائنون الرسميون من أوروبا والولايات المتحدة والصين، فضلا عن المؤسسات المالية المتعددة الأطراف، الإعفاء من الديون. وسيكون الدائنون من القطاع الخاص مطالبين بمبادلة الديون القائمة بأحجام أصغر من سندات التعافي الأخضر. في الوقت ذاته، من الممكن أن تشارك البلدان التي تتحمل ديونا أكثر استدامة والتي تواجه قيودا مالية مرتبطة بالجائحة في مقايضات الديون في مقابل العمل المناخي أو الديون في مقابل الحفاظ على الطبيعة.

ويمكن تنسيق هذه المبادرة تحت إشراف مجموعة العشرين ومراقبتها من قِـبَـل لجنة توجيهية مشتركة بين المؤسسات وتضم الدائنين من القطاع الخاص والعام، والأمم المتحدة، فضلا عن ممثلي المجتمع المدني. الأمر الشديد الأهمية هنا هو أن المبادرة ستحرر الموارد للإنفاق على الصحة الرحيمة بالبيئة والإنفاق التحفيزي في الاقتصادات المتوسطة الدخل والناشئة التي هي في أمس الحاجة إليها.

في الوقت الحاضر، يبدي كبار الدائنين الدوليين الحرص على التأكيد على التزامهم باستقرار المناخ. ومؤخرا تعهدت الصين، وهي الآن الدولة الدائنة الأكبر على الإطلاق من حيث حجم القروض الثنائية التي تقدمها، بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، في حين يريد الرئيس الأميركي جو بايدن أن تحقق أميركا هذا الهدف بحلول عام 2050. على نحو مماثل، يقول معهد التمويل الدولي، الذي يمثل حاملي السندات الخاصة، إنه يدعم جهود تخفيف التأثيرات الناجمة عن تغير المناخ والحفاظ على البيئة، فضلا عن التمويل الاجتماعي.

الواقع أن قادة الدول الغنية سنحت لهم الآن فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة كل جيل لإقران أحاديثهم عن الدعم بالمال الحقيقي. لن تتمكن البلدان النامية من الخروج من أزمة كوفيد-19، ولن تكون مستعدة لملاحقة مسار أخضر إلى الازدهار في المستقبل إلا إذا تكيف دائنوها مع عالم ما بعد الجائحة. ومن الممكن أن تساعد مبادرة جديدة أكثر جرأة تستند إلى التضامن العالمي لتخفيف أعباء الديون في عكس اتجاه الزيادة الأخيرة في معدلات الفقر في مختلف أنحاء العالم، والحد من أوجه التفاوت الضارة، وإنقاذ كوكبنا من أجل أجيال المستقبل.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/Hsm0Besar