ghilarducci3_ Pablo CuadraGetty Images_uber eats Pablo Cuadra/Getty Images

انتعاش العمالة بعد وباء كوفيد 19

نيويورك - على الرغم من أن أكثر من لقاح واحد قد يكون مُتاحًا قريبًا، إلا أن فيروس كوفيد 19 سيستمر في إلحاق الضرر بالاقتصاد العالمي خلال العام المقبل. وهذا يعني عامًا عصيبًا بالنسبة لعُمال العالم.

الخبر السار هو أن الوباء قد سلط الضوء على الدور الحاسم الذي يلعبه العُمال الأساسيون في قطاعات مثل الرعاية الصحية والخدمات اللوجستية، وخاصة أولئك الذين يعملون في وظائف غير مُستقرة ومُنخفضة الأجر. في عام 2020، أدرك الكثيرون في العالم المتقدم أن صحتهم وثروتهم تعتمد جزئيًا على بقاء المدارس العامة مفتوحة حتى يتمكن الآباء من ممارسة عملهم. وقد أدرك الناس أيضًا حجم المعاناة التي تعيشها الاقتصادات إثر غياب الإجازات المرضية المدفوعة الأجر، وضعف النقابات، وغياب معايير السلامة في أماكن العمل فيما يتعلق بالأمراض المُعدية، وتآكل سبل حماية الدخل الأساسية عندما يكون العمل مدفوع الأجر غير مُتاح.

والخبر السيئ هو أن إدراك هذه المشاكل لا يساعد في حلها. نظرًا إلى أن ملايين الأشخاص يبحثون بنشاط عن عمل في عام 2021، سيجد الكثيرون أن أصحاب العمل لديهم اليد العليا بشكل متزايد، لاسيما في الولايات المتحدة. باختصار، قد يواجه العُمال الأمريكيون تحديات أكبر ما لم تفعل إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن شيئًا حيال ذلك.

وهذا يعكس الزيادة في العمالة الفائضة (كان عدد العاملين الأمريكيين في أكتوبر / تشرين الأول 2020 أقل بعشرة ملايين مُقارنة بشهر فبراير / شباط)، وغياب سياسات فعالة لتعزيز العمالة الكاملة، وعدم كفاية التأمين ضد البطالة، والمعاشات التقاعدية، وتغطية الرعاية الصحية. علاوة على ذلك، يعمل الركود الناجم عن الوباء على تعزيز عمليات الاحتكار - أغلبها في الولايات المتحدة، بل في بلدان أخرى أيضًا - وتسريع الانخفاض طويل الأجل في حصة العمالة من إجمالي الدخل القومي.

في العقود الأخيرة، تم توجيه مكاسب الإنتاجية الأمريكية بشكل متزايد إلى رأس المال بدلاً من العمالة. وفي الفترة بين عامي 1979 و 2018، نما صافي الإنتاجية بنسبة 69.6٪، في حين ارتفعت أجور العمال العاديين بنسبة 11.6٪ فقط، أو السدس كحد أقصى.

يمكن رؤية الفصل بين الأجور والإنتاجية عبر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. في بولندا، على سبيل المثال، نمت الإنتاجية بنسبة 2٪ مقارنة بمعدل الأجور السنوي في الفترة ما بين عامي 1995 و 2013. وبلغ هذا الفارق 1.3٪ في الولايات المتحدة، و 0.7٪ في كندا، و 0.5٪ في اليابان، و 0.2٪ في ألمانيا خلال نفس الفترة. وقد بلغ المتوسط المُرجح في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 0.7٪.

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions
PS_Sales_Spring_1333x1000_V1

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions

Subscribe now to gain greater access to Project Syndicate – including every commentary and our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – starting at just $49.99.

Subscribe Now

يُجادل ستيفن شتراوس من جامعة برينستون بأن وباء كوفيد 19 يُبشر ببداية عصر التركيز الصناعي المتزايد. ستُخلف العوائد المرتفعة للتجارة الإلكترونية والتشغيل الآلي والتكنولوجيا عددًا أقل من المنافسين في أسواق مختلفة، حيث تحل سلسلة متاجر الشركات محل العديد من الشركات الصغيرة المحلية. سيؤدي هذا الاتجاه إلى الحد من قدرة العمالة على الضغط من أجل تحسين التعويضات وظروف العمل. قد يكون النجاح الأخير الذي حققته شركات خدمات نقل الركاب مثل "أوبر" و "ليفت" في تأمين مرور "الاقتراح 22" في كاليفورنيا - والذي يسمح للشركات المؤقتة بمواصلة معاملة سائقيها باعتبارهم متعاقدين مستقلين بدلاً من أجراء - مجرد بداية إطلاق حملات مُتجددة لمكافحة العمالة.

ما يريده العُمال

عندما تنخفض حصة العمالة من الناتج المحلي الإجمالي، سيعرف إجمالي الطلب والاستثمار والإنتاجية والنمو الاقتصادي تراجعًا ملحوظًا. ولذلك، ينبغي على صناع السياسة في الولايات المتحدة العمل بشكل عاجل على عكس هذا الاتجاه المستمر منذ عقود. بداية، يتعين على الكونجرس المُصادقة على تقديم المزيد من الحوافز المالية للعُمال، واستعادة إعانات البطالة الفيدرالية التكميلية، وتوفير المزيد من الموارد للمدارس العامة.

لا يزال أمام إدارة بايدن مجال للمناورة حتى لو ظل مجلس الشيوخ تحت سيطرة الجمهوريين بعد انتخابات الإعادة في ولاية جورجيا في يناير / كانون الثاني 2021. كما ينبغي لها أن تستعيد سلطة النقابات العمالية من خلال تدابير السلطة التنفيذية التي تسهل المفاوضة الجماعية وتعزز عملية إنفاذ القوانين التي تدعم حقوق العمال. هذا من شأنه أن يُساعد في تعزيز حصة العمالة من الدخل القومي عن طريق زيادة تعويضات العمال ذوي الدخل المنخفض والمتوسط. يتعين على الإدارة الجديدة أيضًا تنفيذ تدابير حماية أجور العمل الإضافي ومنع أصحاب العمل من فرض شروط غير تنافسية على من يُصنفونهم كمتعاقدين مُستقلين.

يجب أن تكون مُطالبة جميع أصحاب العمل بتقديم إجازات مرضية مدفوعة الأجر من بين أهداف الإدارة الجديدة. تُشكل الفجوات الحالية الضخمة في توفير الرعاية الصحية تهديدًا للصحة العامة، نظرًا إلى أن المخاطر التي تُهدد الموارد المالية للأُسر العاملة تثنيهم عن تطبيق تدابير الحجر الصحي أو السعي إلى الحصول على العلاجات الطبية اللازمة. وهذا هو السبب الرئيسي وراء احتفاظ المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها ببيانات عن الإجازات المرضية مدفوعة الأجر، بدلا من وزارة القوى العاملة.

في الواقع، يمكن للكونجرس تعزيز قدرة العُمال على المساومة من خلال زيادة العقوبات المفروضة على أرباب العمل الذين يسيئون تصنيف العُمال وينتهكون قانون الشغل. وعلى نحو مماثل، يمكن للحكومة الفيدرالية وقف المتعاقدين الذين يقومون بانتهاك قوانين العمل والتوظيف بشكل مُستمر، أو الاستعانة بمصادر خارجية لأداء بعض الوظائف، أو زيادة الأرباح، أو الانخراط في عمليات إعادة شراء الأسهم. ومع اعتماد العديد من الولايات حد أدنى للأجور يبلغ 15 دولارًا في الساعة - وآخرها ولاية فلوريدا، التي فاز بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عامي 2016 و 2020 - قد يتم إقناع عدد قليل من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين بزيادة الحد الأدنى الفيدرالي للأجور إلى هذا المستوى.

علاوة على ذلك، من شأن التغييرات المُستمرة في برامج التأمين الاجتماعي الأمريكية تعزيز الأمن الاقتصادي للعُمال. ستساعد المعاشات التقاعدية المُرتفعة على تجنب مخاطر قيام عشرات الملايين من العمال الأكبر سنًا الذين يُعانون من أوضاع مالية صعبة بإغراق سوق العمل أثناء صرف حساباتهم التقاعدية. سيؤدي تجنب هذا السيناريو بدوره إلى تقليل الضغط النزولي على أجور العُمال الأصغر سنًا وظروف عملهم. وبالمثل، يجب توسيع أهلية الحصول على إعانات البطالة على نحو متزايد (وذلك لتشمل العُمال في الوظائف المؤقتة) وزيادة مستويات الإعانات.

يجب أن يعتمد أرباب العمل طرقا أسهل لصرف الموظفين بدلاً من تسريحهم أثناء فترات الركود الحاد، أو لتقديم ترتيبات تقاسم العمل، كما يجادل أريندراجيت دوبي الخبير الاقتصادي من جامعة ماساتشوستس. وأخيرًا، إذا كانت العمالة الكاملة هي الأولوية القصوى للسياسة، فإن الحكومة ستصبح المشغل الوحيد. على سبيل المثال، يمكن أن يصبح السقاة المُسرحون من بين متتبعي المُصابين بالأمراض أو مساعدين للمعلمين.

حتمية العدالة

كان من الممكن أن يقوم الاقتصاديون بأداء أفضل في حالة الركود الناتج عن الوباء، لكن نماذجهم المُعقدة أثبتت مرة أخرى أنها سهلة للغاية. لقد سعوا إلى إعطاء الأولوية لهدفين - الصحة والثروة - من خلال تحديد كيفية توليد أكبر قدر من النشاط الاقتصادي مع أقل قدر ممكن من الأمراض. في الواقع، كان من اللازم أن يتضمنوا هدفًا ثالثًا: العدالة.

لو أخذ صناع السياسات في معظم البلدان الغنية مسألة العدالة بعين الاعتبار، لبقيت جميع المدارس والشركات مفتوحة، باستثناء الشركات الأقل قيمة والأكثر عرضة للفيروسات. كان ينبغي أن تكون إجراءات ارتداء الأقنعة، والغرامات المفروضة على التجمعات الكبيرة، ومعدات الحماية الشخصية المناسبة، وإيجاد الوظائف للعاطلين عن العمل كمساعدين للصحة العامة والمدارس من التدابير الرئيسية للصحة العامة. وبدلاً من ذلك، أدى إغلاق المدارس إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية. سيتم التخلف عن العديد من الأطفال الذين يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى التعليم الخاص (أو التعليم المنزلي) والإنترنت وإشراف البالغين.

تُخاطر الولايات المتحدة والاقتصادات الأخرى بالعمل دون مستوى التوظيف الكامل في عام 2021، وذلك نظرًا لانخفاض الإنفاق من قبل الأسر والشركات والحكومات. لذلك، يتعين على صناع السياسات استخدام جميع الروافع المالية لتعزيز الطلب الكلي، وتعزيز العمالة الكاملة، ومعالجة اختلال توازن القوى الحالي في سوق العمل. تُعد أربعة عقود من السياسات الضريبية المؤيدة للشركات، واللوائح المالية المتساهلة، والتحيز ضد النقابات، دليلا على أن أرباب العمل لم يضطروا إلى التنافس بقوة لتوظيف العُمال. إن تآكل المعاشات التقاعدية، والنمو المنخفض أو السلبي في التوظيف في القطاع العام، وقلة الاستثمار في التعليم، كلها عوامل ساعدت على إضعاف وضع العمال الذين قد يخاطرون بتغيير وظائفهم أو الضغط من أجل تحسين التعويضات والأجور.

لكن اليوم على الأقل تحظى العمالة ومصالحها بالاهتمام الذي تستحقه. على النقيض من الركود الذي أعقب الأزمة المالية العالمية لعام 2008، أثار الانكماش الاقتصادي الناجم عن انتشار فيروس كورونا المستجد دعمًا عامًا قويًا للعُمال. ربما، أخيرًا، ستُترجم هذه المشاعر إلى تدابير فعالة تُفيد العمالة وتحد من رفاهية الشركات. لضمان الانتعاش المُستدام من الأزمة الحالية، وتخفيف التداعيات الاقتصادية المترتبة على الأزمة التالية، يتعين على صناع السياسات في كل مكان وضع العُمال في المقام الأول

https://prosyn.org/jYSIlghar