8614350446f86f380ed5ed24_dr643.jpg

تصحيح المفاهيم الخاطئة بشأن الجذام

طوكيو ـ في دورته الخامسة عشرة التي انتهت في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول، تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قراراً بتشجيع الحكومات على القضاء على التمييز ضد المصابين بمرض الجذام ـ وأفراد أسرهم. وبوصفي سفير منظمة الصحة العالمية للنوايا الحسنة المعني بالقضاء على الجذام، كنت حريصاً لفترة طويلة على تنظيم الحملات الرامية إلى تحقيق هذه الغاية.

إن الجذام واحد من أقدم الأمراض في تاريخ الإنسانية. وهو يحمل بعداً بدنياً، ولكنه يشتمل أيضاً على عناصر اجتماعية ونفسية. وطيلة القسم الأعظم من تاريخ الطويل، لم يظهر لهذا المرض علاج معروف. ولم يتم التوصل إلى علاج كيميائي فعّال حقاً لهذا المرض إلا في القسم الأخير من القرن العشرين. فمنذ تقديم العلاج المتعدد في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، تم شفاء ما يقرب من 16 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم. وفي كل بلدان العالم تقريبا، لم يعد الجذام بالمرض الذي يُنظَر إليه باعتباره مشكلة خاصة بالصحة العامة.

وإذا تم تشخيص الجذام وعلاجه في وقت مبكر فإنه لا يترك أي أثر. وفي حالة عدم علاج المرض فإن الضرر الذي يلحق بالأعصاب الطرفية يؤدي إلى فقدان الإحساس وإصابة الأطراف بالقرح والجروح. وفي النهاية يؤدي الجذام إذا لم يعالج إلى تشوهات وقد يؤدي إلى عجز دائم.

على مر العصور، ساهم ظهور المصابين بالمرض، وغياب أي علاج معروف، في تفاقم الخوف من هذا المرض ـ وبالتالي وصم المصابين به. وحتى اليوم لا تزال مفاهيم خاطئة كثيرة حول الجذام مستمرة. ولا يزال من الصعب تبديد وصمة العار المحيطة بهذا المرض، والتي تسفر عن سلوكيات وممارسات تمييزية تبتلي حياة الملايين من البشر بلا انقطاع.

ولكن الحقائق بشأن الجذام ليست بغيضة إلى هذا الحد. تحدث الإصابة بهذا المرض بواسطة بكتريا عصوية تدعى مايوباكتريوم ليبرا، وهي البكتريا التي تم التعرف عليها لأول مرة في عام 1873 بواسطة جي. اتش. أرمور هانسن. وهذا يعني أن الجذام مرض معد؛ وليس وراثيا، ناهيك عن اعتباره عقاباً إلهيا. ويعتقد أن العدوى تنتقل جواً، عبر الاتصال القريب والمتكرر بشخص مصاب بالعدوى وغير خاضع للعلاج. ولكن الإصابة بالجذام أمر بالغ الصعوبة؛ وذلك لأن أغلب الناس يتمتعون بمناعة ضده وليس لديهم ما يخشونه.

ومن المهم أن نؤكد أيضاً أن الجذام قابل للشفاء في أي وقت. فالجرعة الأولى من العلاج بالعقاقير المتعددة يقتل 99,9% من البكتريا التي تسبب الجذام، وبهذا يصبح انتقال العدوى من المصاب الخاضع للعلاج مستحيلا. ولكن إذا تأخر العلاج، فمن المحتمل أن تتكرر الإصابة بالتقرحات والضرر الدائم.

PS Events: Climate Week NYC 2024
image (24)

PS Events: Climate Week NYC 2024

Project Syndicate is returning to Climate Week NYC with an even more expansive program. Join us live on September 22 as we welcome speakers from around the world at our studio in Manhattan to address critical dimensions of the climate debate.

Register Now

في العام الماضي تم تسجيل ظهور أقل من 250 ألف إصابة جديدة بالمرض على مستوى العالم، وأكثر من نصف هذا الرقم في الهند. وتساهم كل من البرازيل وإندونيسيا أيضاً بعدد كبير من الحالات الجديدة. ومقارنة بأعداد المصابين بأمراض مثل نقص المناعة البشرية المكتسب/الايدز والملاريا والسل، فإن أعداد المصابين بالجذام تصبح ضئيلة للغاية.

ولكن الأمر غير المقبول هو الطريقة التي يتعامل بها أغلب الناس مع المصابين بالجذام، وهؤلاء الذين كتب لهم الشفاء منه، بل وحتى أفراد أسرهم، والتمييز ضدهم على أساس مخاوف وأساطير وأفكار عتيقة حول هذا المرض الذي أصبح اليوم قابلاً للشفاء تماما.

والواقع أن المبادئ والخطوط التوجيهية التي تبناها مجلس حقوق الإنسان بالإجماع توضح لنا طبيعة وحجم المشكلة. فمن خلال التأكيد على الحقوق المكفولة للأشخاص المصابين بالجذام وأفراد أسرهم، تكشف المبادئ والخطوط التوجيهية عن مدى التمييز والأشكال التي اتخذها.

على سبيل المثال، تشير المبادئ والخطوط التوجيهية إلى أن الأشخاص المتضررين بمرض الجذام، بما في ذلك أفراد أسر المصابين، مؤهلون للحصول على نفس الحقوق المكفولة للجميع غيرهم فيما يتصل بالزواج والأسرة والأبوة. وهذا يعني أن الجذام لا ينبغي أن يشكل أساساً لحرمان أي شخص من الحق في الزواج، أو الطلاق؛ ولا ينبغي للجذام أن يشكل أساساً لفصل الطفل عن والديه.

ويحق للأشخاص الذين أصيبوا بعدوى الجذام أيضاً الحصول على نفس الحقوق المكفولة للجميع غيرهم فيما يتصل بالمواطنة الكاملة واستخراج وثائق الهوية. ومن حقهم أيضاً أن يعملوا في وظائف الخدمة العامة، على قدم المساواة مع غيرهم، بما في ذلك الترشح للانتخابات وشغل المناصب على كافة مستويات الحكومة.

وعلى نحو مماثل، لديهم الحق في العمل والمعاملة على قدم المساواة مع غيرهم في التوظيف والتعيين والترقية والرواتب. ولا يجوز أن يحرموا من الالتحاق بالمدارس أو البرامج التدريبية على أساس إصابتهم بالجذام.

وبعبارة أخرى، لا يجوز التمييز في المعاملة بين الناس بحجة الإصابة بالجذام في الوقت الحاضر أو سابقا ـ أو بحجة الإصابة بأي مرض آخر.

إن القرار التاريخي الذي تبناه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يشجع الحكومات على الاعتبار الواجب للمبادئ والخطوط التوجيهية في صياغة السياسات. وإنني لأرجو أن تفعل الحكومات ما هو أكثر من هذا. فأتمنى أن تُعلي الحكومات هذه المبادئ وأن تتصدى بقوة للظلم الذي طال أمده والذي دفع بالعديد من المصابين بالجذام إلى هامش المجتمع.

https://prosyn.org/8KMZYLRar