7d5d2d0446f86f380e303f24_pa3444c.jpg Paul Lachine

الصين والهند على المكشوف

بيركلي ـ إن زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو المرتقبة إلى الهند، والتي تأتي في أعقاب زيارة الرئيس باراك أوباما مؤخراً، من شأنها أن تمنح وسائل الإعلام فرصة أخرى للإطناب في الحديث عن النفوذ الاقتصادي المتنامي الذي اكتسبته الصين والهند. وبوسعنا أن نتأكد من أن نقاط الضعف التي تعيب اقتصاد كل من البلدين سوف تظل محجوبة عن الأنظار.

بعد ما يقرب من قرنين من الركود النسبي، شهد هذان البلدان اللذان يؤويان خمسي سكان العالم تقريباً نمواً سريعاً بشكل ملحوظ في الدخل على مدى العقود الثلاثة الماضية. ففي مجالي التصنيع والخدمات (وخاصة البرمجيات ومعالجة العمليات التجارية، إلى آخر ذلك)، قطعت الصين والهند على التوالي أشواطاً طويلة على المستوى الدولي، ولقد اجتذب استحواذ البلدين على شركات عالمية قدراً كبيراً من الاهتمام.

بيد أن بعض التأكيدات المثيرة للريبة، من خلال التكرار المستمر لروايات عن الاقتصاد في كل من البلدين، أصبحت تشكل جزءاً من التفسير التقليدي الشائع. وكثيراً ما تُترَك حقيقة ما يحدث داخل هذين البلدين الضخمين خارج نطاق أي مناقشة.

على سبيل المثال، حين نستعرض مسألة القيمة المضافة (قيمة الناتج بعد خصم تكاليف المواد والمكونات) فسوف يتبين لنا خلافاً للانطباع الشائع أن الصين لم تبلغ بعد مرتبة مركز تصنيع العالم. فالصين تنتج نحو 15% من القيمة المضافة في التصنيع العالمي، في حين تساهم الولايات المتحدة بنحو 24% والاتحاد الأوروبي بنحو 20%.

وعلى نحو مماثل، فعلى الرغم من السمعة العالمية التي اكتسبتها الخدمات القائمة على تكنولوجيا المعلومات والتي تقدمها الهند، فإن العدد الإجمالي للعاملين في هذا القطاع هناك أقل من 0.5% من مجموع القوة العاملة في الهند. وهذا يعني أن هذا القطاع غير قادر بمفرده على تحويل الاقتصاد الهندي.

ومن المعتقد على نطاق واسع أن النمو الصيني قائم إلى حد كبير على التصدير، ولكن الاستثمار الداخلي كان في حقيقة الأمر العنصر الرئيسي. وحتى في ذروة التوسع التجاري العالمي أثناء الفترة 2002-2007، فإن الصادرات الصينية (من حيث القيمة المضافة) كانت تشكل ما يزيد قليلاً عن ربع النمو الذي حققه الناتج المحلي الإجمالي الصيني، في حين ساهم الاستثمار المحلي بحصة أكبر كثيرا.

PS Events: Climate Week NYC 2024
image (24)

PS Events: Climate Week NYC 2024

Project Syndicate is returning to Climate Week NYC with an even more expansive program. Join us live on September 22 as we welcome speakers from around the world at our studio in Manhattan to address critical dimensions of the climate debate.

Register Now

فضلاً عن ذلك، وخلافاً للاعتقاد الشائع، فإن القدر الأعظم من النجاح الهائل الذي حققته الصين في الحد من الفقر على مدى العقود الثلاثة الماضية لم يكن راجعاً إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي، بل إلى عوامل محلية مثل نمو القطاع الزراعي (حيث يتركز الفقر الجماعي). ويُعزى هذا إلى حد كبير إلى الاستثمارات العامة في البنية الأساسية الزراعية، وفي الفترة الأولى يعزى إلى التغيرات المؤسسية التي أدخلت على تنظيم الإنتاج الزراعي والتوزيع العادل لحقوق زراعة الأرض.

إلا أن التوسع في الصادرات من المصنوعات القائمة على العمالة الكثيفة ساهم مع ذلك في انتشال العديد من الصينيين من قبضة الفقر. ولا نستطيع أن نقول نفس الشيء عن الهند، حيث لا تزال الصادرات قائمة في الأساس على المهارة ورأس المال الضخم. ومن الواضح أن الإصلاح الاقتصادي ساهم في جعل قطاع الشركات الهندي أكثر نشاطاً وحيوية وقدرة على المنافسة، ولكن القسم الأعظم من الاقتصاد الهندي ليس في قطاع الشركات (سواء العام أو الخاص). والواقع أن 92% من القوة العاملة في الهند موظفة في القطاع غير الرسمي.

كان الحد من الفقر في الهند ملموساً بوضوح، ولكنه لم يكن كبيرا. فمن حيث مؤشرات الفقر غير المرتبطة بالدخل ـ على سبيل المثال معدلات الوفاة بين الأطفال، والتسرب من المدرسة ـ كان أداء الهند سيئا (وفي بعض النواحي أسوأ حتى من أداء بلدان جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا).

لقد حولت وسائل الإعلام المالية الصين والهند إلى الصورة المثالية لإصلاح السوق والعولمة، رغم أن البلدين انحرفا في العديد من الجوانب عن الاستقامة الاقتصادية فيما يتصل بأمور مثل الخصخصة، وحقوق الملكية، وإزالة القيود التنظيمية والجمود البيروقراطي. ووفقاً لمؤشر مؤسسة التراث للحرية الاقتصادية والمستشهد به على نطاق واسع فإن الصين والهند يندرجان تحت فئة وصفت بأنها "غير حرة في الغالب". ومن بين 157 دولة، جاءت الصين في عام 2008 في المرتبة 126 والهند في المرتبة 115 من حيث الحرية الاقتصادية.

ورغم أن السياسات الاقتصادية الاشتراكية في البلدين كانت تحول دون انتشار روح المبادرة والمغامرة التجارية، فإن التراث الإيجابي المتخلف عن تلك الفترة لا يمكن إنكاره. فبوسعنا أن نقول على سبيل المثال إن الاشتراكية الصينية كانت بمثابة منصة قوية لإطلاق النمو، وخاصة من حيث القاعدة الصلبة من التعليم والصحة وكهربة الريف ومشاركة المرأة في قوة العمل. فضلاً عن ذلك فإن جزءاً رئيسياً من تركة الاشتراكية في كل من البلدين يتمثل في التأثير المتراكم للدور النشط الذي لعبته الدولة في التطور التكنولوجي.

وخلافاً للحال في الهند، حيث قطاع الشركات الخاصة هو القطاع الأكثر نشاطا، فإن الشركات التي تسيطر عليها الدولة في الصين تُعَد من بين الشركات الأكثر نجاحاً على مستوى العالم. وحتى في الشركات الصينية الخاصة الشهيرة، مثل لينوفو وهواوي تكنولوجيز، فإن هيكل الملكية معقد إلى حد كبير، ولم تعد الحدود بين حقوق سيطرة الدولة والقطاع الخاص واضحة. والواقع أن شراء شركة جيلي الصينية الخاصة للسيارات لشركة فولفو مؤخراً كان سبباً في توليد قدر كبير من الدعاية، ولكن أغلب الأموال التي استخدمت للشراء كانت مقدمة من حكومات محلية في الصين.

إن الأسر التي تتمتع بنفوذ سياسي في الصين تدير العديد من المؤسسات والشركات الصينية المملوكة للدولة. وهناك في واقع الأمر من الأدلة ما يشير إلى أن الأغلبية الساحقة من أصحاب الملايين في الصين يمتون بصلة القرابة لبعض كبار المسؤولين في الحزب الشيوعي الصيني. وبفضل القدر الهائل من المدخرات المتولدة عن الأسر الصينية والشركات المملوكة للدولة، فإن الاقتصاد الصيني قادر في الوقت الحالي على تحمل الإهدار وسوء التوزيع الناتجين عن رأسمالية المحسوبية.

وفي غياب الإصلاح الاقتصادي فإن قدرة مثل هذا النظام على البقاء في الأمد البعيد تصبح موضع شكل. ولقد أشار رئيس مجل الدولة ون جيا باو شخصياً إلى هذا الأمر في الخطاب الذي ألقاه في شهر أغسطس/آب، والذي حظي باهتمام كبير في الخارج ولكنه كان موضع تعتيم إلى حد كبير في وسائل الإعلام الصينية. ويتعين على وسائل الإعلام العالمية الآن أن تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وأن تبدأ في دراسة العديد من مظاهر صعود الصين والهند بعيداً عن السرد التبسيطي الساذج لانتصار إصلاح السوق.

https://prosyn.org/nRBJt7aar