hclark16_Getty Images Getty Images

عدم التأهب للجائحة

أوكلاند ــ مع استمرار تخبط بلدان عديدة عبر موجات من المتحورات الشديدة العدوى من فيروس كورونا الذي يصيب البشر بمرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، من الواضح أنه من السابق للأوان إعلان انتهاء الجائحة. في مكان ما من العالم، ربما يتمكن عامل مُـمـرِض خطير آخر ــ ربما يعيش حاليا في دماء خفاش أو يتشكل في أمعاء خنزير ــ من الانتقال إلى البشر لينتشر ويزدهر. الواقع أن العديد من الأمراض التي تصيب البشر تنشأ من خلال هذه العملية. في أسوأ الحالات، كما هي الحال مع كوفيد-19، تتحول هذه الكائنات الحية إلى تهديدات خطيرة للصحة وتجعل العالم بأسره عُـرضة للخطر.

تُـرى لو حدث مثل هذا الكابوس مرة أخرى اليوم، فهل نكون مستعدين؟ هل تستطيع منظمة الصحة العالمية التحرك على الفور بناء على تقرير جدير بالثقة عن وجود تهديد وتحذر كل البلدان بشكل فَـعّـال؟ وإذا كان العامل الـمُـمرِض قادرا على الانتشار دون أن يُـكـتَـشَـف تقريبا، فهل يتسابق النظام العالمي لتنسيق استجابة رفيعة المستوى وضمان تمكين الجميع من الوصول إلى المعلومات، والإمدادات الطبية، والأموال اللازمة للحد من الضرر؟ هل يكون لدى كل بلد خطة لتقليل الضغوط المفروضة على الأنظمة الصحية، والمدارس، والشركات، وسبل العيش؟

الإجابة المختصرة على كل هذه التساؤلات هي "كلا". في ظل وتيرة التغيير الحالية، لا يزال التأهب العالمي لإدارة تهديد باندلاع جائحة جديدة على بعد سنوات من المستوى المطلوب. ينبغي لنا أن نشعر بالقلق الشديد حيال ذلك، وأيضا حيال الافتقار إلى القيادة الرفيعة المستوى اللازمة لإنهاء حالة الطوارئ التي تفرضها جائحة كوفيد-19.

صحيح أن العالم أحرز بعض التقدم. ففي شهر مايو/أيار من عام 2021، حددت اللجنة المستقلة للتأهب للجوائح والاستجابة لها، التي اشتركت في رئاستها مع رئيسة ليبريا السابقة إلين جونسون سيرليف، الفجوات التي أدت إلى اندلاع جائحة كوفيد-19 وأوصت بحزمة من الإصلاحات التي اعتقدنا أنها كفيلة بإنهاء الأزمة ومنع فاشيات الأمراض المعدية في المستقبل من التحول إلى جوائح شديدة التدمير. وقدمت هيئات مراجعة أخرى أنماطا مماثلة من التوصيات لمعالجة أوجه القصور الخطيرة.

إلى جانب الافتقار إلى القيادة المنسقة، تشمل المشكلات التمويل غير الكافي بدرجة مؤسفة لجهود التأهب للجائحة؛ وسوق معدات الحماية الشخصية، واللقاحات، وغير ذلك من الإمدادات الأساسية التي تحابي الأثرياء؛ والشقوق والمناطق الرمادية التي تعيب النظام القانوني الدولي؛ ومنظمة الصحة العالمية التي تفتقر إلى الموارد والسلطة اللازمة لتمكينها من القيام بالمهمة المنتظرة منها.

يُـحـسَـب لمنظمة الصحة العالمية والبلدان الملتحقة بعضويتها الجهود الجادة الجارية للاستجابة لتوصيات مجموعة من المراجعات. لكن هذه الجهود، المنتشرة عبر مجموعات العمل والهيئات المختلفة، بطيئة وغير منسقة في بعض الأحيان. ومن غير الواضح ما إذا كان أي شخص لديه رؤية واضحة لتجميع الأجزاء معا في نظام فَـعّـال يمتد إلى ما وراء حدود القطاع الصحي (وهو ما ترى اللجنة المستقلة للتأهب للجوائح والاستجابة لها أنه ينبغي له).

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions
PS_Sales_Spring_1333x1000_V1

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions

Subscribe now to gain greater access to Project Syndicate – including every commentary and our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – starting at just $49.99.

Subscribe Now

الواقع أن إحدى لجان منظمة الصحة العالمية أوصت بإدخال تغييرات على الضوابط التنظيمية الصحية الدولية والتي من شأنها أن توضح المسؤوليات، وسلطة منظمة الصحة العالمية، وتوقيت التحرك. لكن هذه المقترحات قد لا يجري تناولها حتى العام المقبل. يتضمن مسار عمل آخر جهدا تاريخيا للتفاوض على أداة قانونية دولية جديدة للتصدي للجوائح. وهذا جدير بالثناء، لولا أن العمل عليها من المقرر أن ينتهي في غضون عامين، وقد يستغرق وقتا أطول. وفي مجموعة أخرى، تقرر البلدان ما إذا كان ينبغي لها تزويد منظمة الصحة العالمية بالتمويل الأساسي المستدام والمتوقع الذي تحتاج إليه لإدارة عملها.

حتى كتابة هذه السطور، ظهرت إشارات قوية تدل على أن البنك الدولي سيستضيف صندوقا ماليا وسيطا جديدا للتأهب للجوائح والاستعداد لها. أحد الدروس المستفادة من العامين الأخيرين والذي لا ينبغي لمهندسي الصندوق أن ينسوه أبدا هو أن تهديدات الجوائح يجب التعامل معها على أساس التضامن. لكي يكون شاملا وفَـعّـالا، ينبغي لهذا الصندوق أن يعمل على حشد التمويل الجديد من كل البلدان، استنادا إلى ما في وسع كل بلد أن يتحمل. ويجب أن تكون الاقتصادات المنخفضة الدخل وذات الدخل المتوسط الأدنى هي الأكثر استفادة، مع تخصيص الأموال بشكل عادل لتلبية أهداف التأهب.

لكن التمويل الحالي لا يزال غير كاف لحماية الناس من أسوأ ما تحمله لهم جائحة كوفيد-19. في منتصف إبريل/نيسان، كانت مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19 لا تزال منقوصة التمويل بنحو 10 مليارات إلى 15 مليار دولار. عل وجه الخصوص، لم يكن لديها عمليا أي أموال جديدة لاختبارات التشخيص والعلاجات، مما يحرم الناس في البلدان المنخفضة الدخل من الأدوات الموصى بها والمتاحة في العالم الغني.

لقد لقنت جائحة كوفيد-19 هذه البلدان درسا مؤلما مفاده أنها لا تستطيع الاعتماد على الاقتصادات الأكثر ثراء لوضع الإنصاف في صميم الاستجابة لأي أزمة عالمية. ونتيجة لهذا، ينادي القادة الأفارقة بقارة أكثر اكتفاء ذاتيا وقادرة على حماية شعوبها بشكل أفضل. ويشمل هذا إنشاء استراتيجية لتنسيق جهود قوة العمل في مجال الصحة عبر القارة، تحت مسمى الصندوق الأفريقي لاقتناء اللقاحات، فضلا عن مراكز جديدة حيث يمكن إنتاج لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال لكوفيد-19.

من الأهمية بمكان ضمان تمكين البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من تأمين التراخيص ونقل المعرفة والتكنولوجيا التي تحتاج إليها لإنتاج ليس فقط لقاحات كوفيد-19، بل وأيضا الإمدادات الأخرى اللازمة للتصدي للأزمة الحالية، وغير ذلك من تهديدات الصحة العالية الأولوية، ومخاطر الجوائح في المستقبل. لا ينبغي للعاملين في مجال الصحة، وكبار السن، وغيرهم من الفئات المعرضة للخطر، أن يضطروا إلى انتظار نتائج محادثات تجارية مطولة في جنيف حتى يتسنى لهم الوصول إلى سبل الحماية التي يحتاجون إليها للبقاء.

في الوقت ذاته، تستمر جائحة كوفيد-19. وتظل تغطية اللقاحات في العديد من البلدان منخفضة للغاية، كما تلغي الحكومات قاعدة الإلزام بارتداء أقنعة الوجه، وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة من الإصابات في بعض الأماكن، يريد العديد من الناس المضي قدما في حياتهم والتخلص تماما من تهديد كوفيد-19 المستمر.

المشكلة هي أننا لا ندري ماذا قد يحدث بعد ذلك. يتعين على القادة أن يكونوا مستعدين لنطاق كامل من سيناريوهات كوفيد-19، بما في ذلك احتمال ظهور متحور جديد مميت من الفيروس ينتشر بسرعة. لكن أحد الجوانب الأكثر إحباطا ــ والأشد إرباكا ــ في الجائحة كان ندرة القيادة العالمية الرفيعة المستوى القادرة على حشد الخطط والأموال والإرادة السياسية اللازمة للحد من انتشار كوفيد-19. على الرغم من أكثر من 6.2 مليون حالة وفاة مسجلة، لم يجتمع رؤساء الدول والحكومات حتى الآن تحت رعاية الأمم المتحدة للتصدي بشكل شامل للأزمة الاقتصادية والصحية والاجتماعية الأكبر في الذاكرة الحية.

يواصل أعضاء اللجنة المستقلة للتأهب للجوائح والاستجابة لها سعيهم إلى تنفيذ التوصية بإنشاء هيئة مؤلفة من رؤساء الدول والحكومات للإشراف على البنية المتطورة للتأهب للجوائح والاستجابة لها. بدون ذلك، لن يكون هناك الكثير لربط جهود الإصلاح المختلفة، من التمويل إلى الأدوات القانونية وغير ذلك.

لم ينته العالم بعد من جائحة كوفيد-19، ومن الواضح أن الإصلاحات اللازمة لإعدادنا لاستقبال العامل الـمُـمرض الجديد التالي لا تتقدم بالسرعة الكافية. وما لم يتغير هذا، فمن المؤكد أن الجائحة الحالية لن تكون الأخيرة.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/rN2Zxznar