stanley4_Win McNameeGetty Images_elonmusk Win McNamee/Getty Images

أجندة إيلون ماسك غير المستترة

نيوهافين ــ لماذا اشترى إيلون ماسك شركة تويتر؟ كانت إجابته الرسمية ــ الدفاع عن حرية التعبير والديمقراطية ــ غير مقنعة إلى الحد الذي يجعل السؤال قائما لا يختفي. الواقع أن التجاء إيلون ماسك على نحو متكرر إلى مثل هذه الـمُـثُـل لتبرير القرارات المهمة التي اتخذها منذ استحواذه على تويتر أمر مُـربـِـك إلى الحد الذي يجعله يثير شكوكا عميقة حول دوافعه.

على سبيل المثال، انتقد ماسك بشدة قرار حذف حساب الرئيس السابق دونالد ترمب، زاعما أن "حرية التعبير هي حجر الأساس لأي ديمقراطية قوية". لكن حساب ترمب حُـذِفَ لأنه كان يستخدمه لنشر نظريات المؤامرة حول الانتخابات بين جمهور عريض بلغة متزايدة العنف. من الصعب أن نتخيل طريقة أكثر فاعلية لتقويض الديمقراطية من إعطاء رئيس الولايات المتحدة منبرا يسمح له بالادعاء بأن الانتخابات الحرة النزيهة التي خسرها "سُـرِقَـت". كيف يُـعـقَـل أن يكون السماح لترمب، الذي لا يزال زعيم الحزب الجمهوري والزعيم السابق لدولة ديمقراطية، باستخدام تويتر لمهاجمة الديمقراطية، سببا في جعل الديمقراطية أقوى؟

يعتمد النظام الديمقراطي على تقبل شرعية قواعده على نطاق واسع. يجري التعبير عن هذه الشرعية، في أوضح صوره، من خلال التصويت. لذا، ليس من قبيل المصادفة أن يعمل أولئك الذين يسعون إلى تدمير شرعية الديمقراطية على نشر معلومات مضللة تؤدي إلى تقويض الثقة في النظام الانتخابي.

لكن الأمر لا يخلو من طرق أخرى لتقويض الشرعية الديمقراطية. تقوم الديمقراطية على المساواة السياسية. يتمثل التعبير الأوضح عن هذا في مبدأ "شخص واحد، صوت واحد". لكن المساواة السياسية تنطوي على أهمية أوسع ــ فهي تعني أن كلا من أصواتنا من الممكن أن يُـسـمَـع. وكما زعم الفيلسوف ستيفن داروال، في الديمقراطية، يجب أن يكون من الممكن التحدث بالحقيقة أمام السلطة.

وعلى هذا فإن الحفاظ على الشرعية الديمقراطية يعني حماية حيز المعلومات الديمقراطية ــ مجال الثقة المتبادلة حيث يشعر المواطنون بالثقة في قدرتهم على الحوار والانتقاد بحرية على أساس إجماع مشترك حول الواقع. هناك طرق راسخة لتقويض الشعور المشترك بالواقع، وبالتالي تدمير إمكانية وجود حيز للمعلومات الديمقراطية. بين هذه الطرق، إعطاء منبر لأشخاص أقوياء ينشرون نظريات المؤامرة الذميمة.

هناك أيضا طرق أخرى كثيرة. في كتابهما بعنوان "تُـجَّـار الشك"، أوضح المؤرخان نعومي أورسكيس من جامعة هارفارد وإريك كونواي من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا كيف مولت كل من صناعة التبغ وصناع الوقود الأحفوري أبحاثا كان الهدف منها نشر الشكوك حول الإجماع العلمي المحيط بقضيتي التدخين وتغير المناخ. وكانت النتيجة الشلل السياسي. فقد أدى تقويض ثقة العامة من خلال زرع بذور الشك غير المشروع إلى تدمير إمكانية وجود حيز معلوماتي ديمقراطي للتداول حول مثل هذه القضايا. حتى إذا كنت مهموما بشأن تغير المناخ، فقد تعارض الجهود المبذولة للتخفيف من حِـدّته إذا كنت تعتقد أن الأجندة الحقيقية وراء هذه الجهود جزء من مؤامرة لإخضاع البشرية في ظل نظام شمولي بيئي.

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions
PS_Sales_Spring_1333x1000_V1

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions

Subscribe now to gain greater access to Project Syndicate – including every commentary and our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – starting at just $49.99.

Subscribe Now

كل المطلوب لتدمير إمكانية وجود حيز معلوماتي ديمقراطي يتناول قضايا سياسية بعينها، مثل تغير المناخ، هو توفير منبر للدعاة المروجين للتضليل وإضفاء الشرعية عليهم. لكن هذه الاستراتيجية يمكن تعميمها ــ لاستهداف إمكانية الشرعية الديمقراطية ببساطة، من خلال تدمير إمكانية الإجماع على أي قضية. لتحقيق ذلك، يحتاج المرء إلى منبر يعطي ثِـقَـلا متساويا لكل الأصوات التي تنشر نظريات المؤامرة حول كل قضية يمكن تخيلها ذات اهتمام سياسي عام. حاول نشطاء الكرملين إيجاد مثل هذا المنبر بالاستعانة بقناة روسيا اليوم التلفزيونية. والآن يحاول ماسك تنفذ ذات الاستراتيجية مع تويتر.

من الواضح لماذا ترغب صناعة الوقود الأحفوري في تقويض إمكانية اتخاذ تدابير مُـجازة ديمقراطيا في التعامل مع تغير المناخ. ولكن لماذا يريد أغنى رجل في العالم تقويض شرعية الديمقراطية ذاتها؟

يجب أن تكون الإجابة واضحة الآن. في ظل ديمقراطية سليمة، يسمح الحيز المعلوماتي الديمقراطي المشترك للجميع بالتحدث بالحقيقة إلى أي شخص. هذا هو جوهر المساواة السياسية. في ظل نظام ديمقراطي سليم، يستطيع صحافي من الطبقة المتوسطة أن ينشر معلومات مدروسة جيدا تفضح شركات متعددة الجنسيات أو أفرادا فاحشي الثراء وتساهم في إيجاد إجماع شعبي لصالح تقييد أفعالهم، أو زيادة الضرائب المفروضة عليهم، أو مساءلتهم بأي طرقة أخرى. إذا نجح شخص ما في تدمير مثل هذا الحيز المعلوماتي من خلال رعاية نشر الشك الجماعي، فلن يكون من الممكن بعد ذلك حشد المواطنين ضد الأقوياء على هذا النحو.

من منظور الأفراد الأقوياء، تشكل الشرعية الديمقراطية تهديدا، لأنها تمثل رقابة على سلطانهم. هل من المستغرب إذن أن يرغب أحد أقوى الأفراد في العالم في القضاء عليها؟

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/hqlA7qUar