Shell Oil drilling platform Tom Doyle/Flickr

مهرجان تغير المناخ في باريس

أوتاوا ــ من المنتظر أن يبرز مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باريس كافة مقومات الإنتاج المحكم التصميم في هوليود والذي يحقق شعبية هائلة. وسوف يكون فريق الممثلين صخما: رؤساء دول ورؤساء وزراء في وسط المسرح، يدعمهم الآلاف من الكومبارس، بما في ذلك المحتجين، وشرطة مكافحة الشغب، وعدد ضخم من وسائل الإعلام. ولعل السيناريو لا يزال طي الكتمان حتى الآن، ولكن حبكة الرواية تسربت بالفعل: فهذه المرة، وفي تناقض حاد مع المفاوضات الفاشلة في كوبنهاجن عام 2009، سوف يكون الفوز من نصيب كوكب الأرض.

الواقع أن الحبكة جذابة وفاتنة، ولكنها ليست متماسكة بالضرورة. فسوف يُقال للعالم إن النوايا الحسنة والصفقات الرابحة أتت أكلها. فقد اتفقت الحكومات على تخفيضات طوعية للانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي، وهي التخفيضات التي سوف تمنع درجات الحرارة على الكوكب من الارتفاع بما يتجاوز درجتين مئويتين. ثم في تطور مفاجئ مذهل من سوف يُكشَف النقاب عن توصل أكبر شركات الوقود الأحفوري في العالم إلى الاتفاق على خفض صافي الانبعاثات إلى الصِفر بحلول عام 2100، من خلال احتجاز الكربون من المنبع، وامتصاصه من الغلاف الجوي، وتخزينه تحت الأرض. وبهذا يُنقَذ كوكب الأرض، ويصبح بوسع الاقتصاد أن يزدهر. وهنا تدخل الموسيقى وتنزل تِترات النهاية.

والمشكلة هنا هي أن هذا السيناريو خيالي، وليس وثائقي. فالتكنولوجيا اللازمة لم تخترع بعد، وخفض صافي الانبعاثات إلى الصِفر ليس في حكم الإمكان ببساطة. ومثله كمثل الإنتاج الهوليودي، سوف تكون رسالة مؤتمر باريس شديدة التأثر بأولئك الذين يملكون القدر الأكبر من المال.

وليس من الصعب إجراء الحسابات. ذلك أن البنية الأساسية للطاقة على مستوى العالم ــ والمجهزة بدقة لاستخدام الوقود الأحفوري ــ تعادل قيمتها 55 تريليون دولار أميركي. والقيمة الورقية لاحتياطيات الوقود الأحفوري ــ وأغلبها مملوكة لشركات الوقود الأحفوري العملاقة ــ تعادل نحو 28 تريليون دولار.

يتجلى نفوذ صناعة الوقود الأحفوري بوضوح في حقيقة مفادها أن الحكومات في مختلف أنحاء العالم من المتوقع أن تنفق نحو 5.3 تريليون دولار هذا العام لدعمها، بما في ذلك النفقات الهائلة اللازمة لمكافحة تأثيراتها الصحية والبيئية السلبية. بعبارة أخرى، تنفق الحكومات التي ستجتمع في باريس على دعم أسباب تغير المناخ أكثر من كل ما تنفقه على الرعاية الصحية العالمية أو تخفيف حدة تغير المناخ أو التكيف معه.

ولكن هذا لن يكون جزءاً من القصة في باريس. فهناك سوف يُعرَض على الجمهور العالمي سرد يقوم على شكلين غير مثبتين من "الهندسة الجيولوجية"، والتي يسعى أنصارها إلى التلاعب بالنظام الكوكبي. أما الجهد الذي سوف يحظى بالقدر الأعظم من الاهتمام فهو يدور حول استخدام الطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه. في شهر مايو/أيار، عقدت وزارة الطاقة في الولايات المتحدة اجتماعاً خاصاً لمناقشة هذه التكنولوجيا، والتي سوف تكون بمثابة ورقة التوت التي تستخدمها شركات الوقود الأحفوري العملاقة لحماية أصولها.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

بيد أن نشر تكنولوجيا الطاقة الحيوية واحتجاز الكربون وتخزينه سوف يتطلب احتفاظ العالم بمساحة تعادل حجم الهند مرة ونصف المرة من الحقول أو الغابات القادرة على امتصاص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، في حين تظل تزود سكان العالم الذين من المتوقع أن يتجاوز عددهم تسعة مليارات نسمة بحلول عام 2050 بالقدر الكافي من الغذاء. ويَعِدُنا أنصار هذه التكنولوجيا بأن العزل البيولوجي سوف يصبح بحلول ذلك الوقت مدعوماً ببرامج تتلخص مهمتها في احتجاز الانبعاثات فور انطلاقها أو امتصاصها من الهواء لكي يتم ضخها إلى مهاوي جوفية عميقة ــ بعيداً عن أنظارنا وبعيداً عن أذهاننا.

من الواضح أن منتجي الوقود الأحفوري يروجون لتكنولوجيا احتجاز الكربون للسماح لهم بالإبقاء على مناجمهم مفتوحة ومضخاتهم متدفقة. ولكن من المؤسف بالنسبة لكوكب الأرض أن العديد من العلماء يعتبرون هذه التكنولوجيا مستحيلة من الناحية الفنية وباهظة التكاليف من الناحية المالية ــ وخاصة إذا كان لنا أن نتمكن من نشر مثل هذه التكنولوجيا في الوقت المناسب لتجنب التغير المناخي الفوضوي.

وسوف يتطلب منع درجات الحرارة من الارتفاع إلى خارج نطاق السيطرة حلاً هندسياً جيولوجياً ثان، والمعروف باسم إدارة الإشعاع الشمسي. وتتلخص الفكرة في محاكاة عمل التبريد الطبيعي للانفجار البركاني باستخدام تقنيات مثل نشر خراطيم تضخ الكبريتات لمسافة ثلاثين كيلومتراً داخل الطبقة العليا من الغلاف الجوي، الستراتوسفير، لحجب أشعة الشمس.

وتعتقد الجمعية الملكية في المملكة المتحدة أن الاحتياج إلى مثل هذه التكنولوجيا قد يكون حتميا، وكانت تعمل مع نظرائها في بلدان أخرى لاستكشاف الطرق الواجبة لإدارة هذه التكنولوجيا. وفي وقت سابق من هذا العام، أعطت الأكاديميات الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة تأييدها الفاتر لهذه التكنولوجيا، وأعلنت الحكومة الصينية عن استثمار كبير في تعديل الطقس، والذي قد يتضمن إدارة الإشعاع الشمسي. وتعكف روسيا بالفعل على تطوير التكنولوجيا.

وخلافاً لتكنولوجيا احتجاز الكربون، فإن حجب أشعة الشمس كفيل بخفض درجات الحرارة العالمية بالفعل. ونظريا، تُعَد هذه التكنلوجيا بسيطة، ورخيصة، ومن الممكن نشرها بواسطة دولة منفردة أو مجموعة صغيرة من المتعاونين؛ ولن يكن إجماع الأمم المتحدة مطلوبا.

ولكن إدارة الإشعاع الشمسي لن تزيل الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي من الغلاف الجوي. بل إنها تعمل على حجب تأثيراتها فحسب. وإذا أغلقت الخراطيم فإن درجة حرارة الكوكب سوف تسجل ارتفاعاً شديدا. وقد تكسب لنا هذه التكنولوجيا بعض الوقت، ولكنها تسلم السيطرة على حرارة الكوكب لأولئك الذين يملكون الخراطيم. وحتى أنصار هذه التكنولوجيا يقرون بأن نماذج الكمبيوتر تتوقع أن تخلف هذه التكنولوجيا تأثيراً سلبياً قوياً على المناطق المدارية وشبه المدارية. إن تغير المناخ أمر سيئ، ولكن الهندسة الجيولوجية قادرة على جعله أشد سوءا.

من الواضح أن القصة التي سوف يطلب منتجو مؤتمر باريس من المشاهدين تصديقها تعتمد على تكنولوجيات ليست أكثر فعالية من حيل الدخان والمرايا الخداعية. ومن الأهمية بمكان أن نتعلم كيف نرى أبعد منهم. وسوف يُرفَع الستار عن مجموعة من الوعود الكاذبة، ثم يُسدَل على سياسات لن تقودنا إلا إلى الفوضى والدمار ــ ما لم يشارك الجمهور في القصة.

https://prosyn.org/ChmW6bdar