harrington12_ED JONES_AFP_Getty Images ED JONES/AFP/Getty Images

ترامب يرفض تصديق  معلومات بشأن كوريا الشمالية

أطلنطا ــ لا أحد يعلم بعد عن نوع الصفقات التي من الممكن ان يكون  الرئيس الامريكي دونالد ترامب قد اجراها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الاجتماع السري الذي جمعهما في هيلسينكي لمدة ساعتين. ولكن من الواضح أن تهنئة ترامب لنفسه بمناسبة عقد صفقة " لنزع السلاح" من بينيزولا الكورية ،خلال قمة جمعته مع كيم جون اون في سنغافورة،  بدأت تفقد قيمتها. ففضلا عن تراجعه عن المفاوضات  مع الولايات المتحدة على مستوى العمل المشترك، لازال نظام كيم يعزز مركزه كدولة مصنعة للأسلحة النووية، ورئيس الكرملين متأكد من تسجيله لهذه المعلومة.

وكان دائما للأخصائيين في شمال كوريا شكوك  حول ما إذا كان كيم سيتخلى عن اسلحته النووية.  وتدعم الأدلة الأخيرة شكوكهم.  وتشير تقارير لموظفين في الاستخبارات الامريكية  ان الشمال ماض إلى الامام بخصوص برنامجه النووي عن طريق الزيادة في إنتاج الصواريخ واليورانيوم والحجب عن حجم مخزونها النووي.

وكل من تابع ما يحصل في بينيزولا الكورية سبق له أن شاهد هذا الفيلم. ففي كل الأحوال،  أب كيم وجده هما من كتبا السيناريو قبل عشرات السنين. فمنذ 1970، عبر نظام كيم باستمرار عن رغبته في نزع الأسلحة النووية  من بينيزولا الكورية ووقع على اتفاقيات منع  انتشار الأسلحة النووية  ودخل في مفاوضات مع الولايات المتحدة الامريكية – وكان في نفس الوقت يتابع برنامج الأسلحة النووية. وفي المرة الأخيرة الذي أعيد فيه نفس السيناريو، استعمل كيم المؤثرات الخاصة لوالده. ففي ماي، فجر محطة لاختبار الأسلحة النووية على الطريقة السنيمائية التي استعرضها  كيم جونغ عندما فجر بواسطة الديناميت برجا لتبريد المفاعل النووي قبل عشر سنوات.

ومقارنة مع سياسة كيم التي تدرب عليها هذا الاخير جيدا، كانت الديبلوماسية التي اعتمدت عليها  إدارة ترامب فاشلة. فبعد تهديده لشمال كوريا بتدميرها كليا العام الماضي،  منح ترامب تنازلا كبيرا لكيم عندما وافق على حضور قمة  يونيو. وأثناء وجوده هناك، أظهر  انه ليست له أي استراتيجية ولا حتى لإدارته لجعل كيم يلتزم بأي اتفاق. والأسوأ في الامر ان ترامب استمر بالإصرار على أن المحادثات التي تلت هذه القمة على ما يرام، رغم ان آخر زيارة  قام بها وزير الخارجية الامريكي بومبيو لبيونغيانغ انتهت بتبادل الاتهامات بين الطرفين.

 ووراء الواجهة المحطمة للتمثيل السيئ لترامب  هناك إدارة مقسمة بين أهدافها الرئيسية المتعلقة بوضع السياسات. وعلى ضوء التقييم الأخير الذي قامت به  جهات استخباراتية بشان استمرار كوريا الشمالية في أنشطة نووية، يحتمل أن يكون هناك المزيد من التقسيمات.  وبخصوص هذا الموضوع، سبق لبومبيو أن غير رأيه بشان طلب قدمته الولايات المتحدة الامريكية سابقا، وذلك عن طريق تلطيف كلامه  بشان مسألتي التفتيش والتحقق المثيرتين للقلق. وأشار مسؤولون في الولايات المتحدة الامريكية أن المزيد من التلطيف في مواقف الإدارة قادم.

وفي نفس الوقت، اعتمد مسؤولون آخرون في البيت الابيض سياسات اكثر صعوبة. إذ لم يدع مستشار الأمن الوطني لترامب، جون بولتون،  إلى التخلي عن الاسلحة النووية فقط، بل أيضا إلى  نزع جميع الاسلحة غير التقليدية في كوريا الشمالية بشكل سريع. وخلال هذا الشهر، صرح بولتون ان لديه خطة للقضاء على جميع برامج كوريا الشمالية لصنع الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية في غضون عام.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

ويفضل ترامب أن تتخذ القرارات من طرف ذوي النفوذ فقط، وسنرى الأن كيف ستكون ردة فعله إزاء التقارير الاستخباراتية بشأن خداع كوريا الشمالية. ومهما حصل، فبعد أن أطلعت الولايات المتحدة الامريكية كلا من اليابان وكوريا الجنوبية و غيرها من الحلفاء على معلوماتها الاستخباراتية ، أصبح للقادة السياسيين والمسؤولين العسكريين في هذين البلدين  سبب يدعوهم إلى  القلق. فبالنسبة لليابان وكوريا الجنوبية، على الخصوص، أصبح التناقض بين خطاباته السياسية وما اكتشفته المخابرات التابعة له مصدرا قلق بالغ.

وما يثير القلق أيضا، هو تصرفات ترامب التي لا يمكن التنبؤ بها اتجاه حلفاء أمريكا. وقد تابعت سيول عن قرب ظهور ترامب  المدوي في اجتماع الناتو هذا الشهر، لانهم كانوا أيضا مقصودين عندما انتقد الحلف الاطلسي بشأن الإنفاق على الجيش. وكان ترامب قد دفع بالحكومتين معا إلى تعزيز ميزانيتهما المتعلقةبالجيش، وفكر طويلا في سحب القوات الامريكية من كوريا الجنوبية.  وفي قمة سنغافورة، ذهب إلى حد الوافقة على تعليق تداريب الجيش الامريكي مع كوريا الجنوبية- وكان ذلك بمثابة تنازل كبير آخر- زاد من عدم استقرار حلفاء أمريكا في آسيا.

وسيزيد من قلق الحلفاء صمت ترامب إزاء المعلومات الإستخباراتية الاخيرة بشان كوريا الشمالية –هذا دون ذكر وقوفه إلى جانب الرئيس  الروسي فلاديمير بوتين على حساب وكالاته الاستخباراتية عندما اكتشفت هذه الأخيرة تدخل روسيا في الإنتخابات الأمريكية لعام 2016. فتجاهل خداع أمريكا الشمالية يؤدي بشكل مباشر إلى تراجع أمن  اليابان وكوريا الجنوبية. ورغم ان نظام كيم لازال يسعى إلى صنع صواريخ نووية  باليستية عابرة للقارات (آي سي بي إم) والقادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة الامريكية ، ولديها ايضا صواريخ متوسطة الحجم،تعمل بشكل كامل وقادرة على ضرب الدول المجاورة. ولأن اليابان وكوريا الجنوبية كلاهما يشكلان قاعدة عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية ، فهما في مقدمة  لائحة  الدول التي يستهدفها السلاح النووي لكوريا الشمالية.

قد لا يروق هذا الامر  لترامب ، لكن عليه التنديد بخداع كيم ، خاصة بعد  المعلومات الاستخباراتية الاخيرة . ومن بين اشياء أخرى، فالشمال تنتج محركات صواريخ متينة تعمل بالبنزين، وبحريات مسلحة بالصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وهذا أمر قد يعزز قدرة امريكا الشمالية على الهجوم بشكل مفاجئ، عن طريق جعل ترسنتها النووية تدوم اكثر  وذات قدرة على التنقل  وسهلة الإخفاء. إن جهود كيم القائمة في هذا المجال توضح انه ليست لديه اية نية بالتخلي عن برنامجه النووي.

ويقول مسؤولون في البيت الابيض الآن أن ترامب قد يستعين باجتماع   للجمعية العامة للامم المتحدة  في سبتمبر لعقد لقاء آخر مع كيم، وكأن استرجاع صداقة الزعيمين ستفضي إلى مفاوضات جادة. هذا لن يحصل، بل يجب عليه ان يبدأ بما هو أهم، وقبل كل شيئ ، أن يبدأ بمواجهة كيم بالمعلومات الإستخباراتية الاخيرة.  إن ما يتكرر بشان نزع اسلاح النووي امر مختلف، و بذل جهود لمراقبة الاسلحة بشكل جدي شيئ  آخر. وينبغي على إدارة ترامب التفكير بحذر بشان الخطوات التي ستقوم بها  في المستقبل.

ترجمة نعيمة أبروش

https://prosyn.org/zLdn2IGar