je320.jpg

الأزياء الرخيصة وتكاليفها الباهظة

أكسفورد ـ سأعترف لكم: أنا أيضاً أفعل ذلك. وأنا كأغلب النساء الغربيات، أفعل ذلك على نحو منتظم، وأشعر بلذة آثمة في كل مرة. وإنه لمن الصعب أن ينصت المرء إلى ضميره حين يجد نفسه في مواجهة مثل هذا الكم غير المعقول من الإغراءات.

أنا أتحدث بالطبع عن الأزياء المعاصرة الرخيصة. وسوف أزور محلات زارا ـ أو اتش آند إم، أو ربما أزور محلات بريمارك الرائعة، ما دمت أعتزم قضاء الصيف في المملكة المتحدة ـ وأقتنص بعض الأشياء "الجذابة" والرخيصة إلى الحد الذي يجعل المرء يشتري قطعتين من كل شيء.

أظن أنني لابد وأن أكافح إدماني هذا ـ وكذلك جميع النساء من أمثالي.

لقد تبدلت حال الأزياء تماماً بفضل ظهور سلاسل التجزئة التي تتعاقد مع مصممين بارعين لتصميم الملابس والإكسسوارات ذات الاستخدام لفترة وجيزة والمتماشية مع الميول العصرية تماماً. ولقد أدى هذا التطور إلى تحرير المرأة الغربية من طغيان صناعة الأزياء التي كانت في الأيام الخوالي الكريهة تملي على النساء أزياءهن وترغمهن على إنفاق مبالغ طائلة على تحديث خزانات ملابسهن، ثم الإعلان بقدر كبير من عدم المبالاة بأن خزانات الملابس هذه بكل ما تحتويه أصبحت عتيقة ـ مرة تلو الأخرى وبلا نهاية في الأفق.

ثم دخلت إلى الساحة المراكز التجارية التي تعمل بنظام الإنتاج الضخم، وأصبحت المرأة تتمتع بالخيار اللذيذ والمُحَرِّر ظاهرياً في الحصول على الفساتين الصيفية المكشوفة المزخرفة بالزهور المطبوعة على غرار الثمانينيات ـ والتي سوف تبدو عديمة الذوق إلى حد مروع بحلول الصيف المقبل ـ في مقابل 12 دولارا. وبوسع النساء أن ينفقن على أزياء كلاسيكية لا تصبح عتيقة بسرعة، وأن يستوعبن هذه الملابس المعاصرة الرخيصة التي تستخدم لفترة قصيرة كلما تغيرت الحالة المزاجية.

لقد نجحت هذه المحلات في حل مشكلة نفسية أيضاً، حيث بات بوسع المرء أن يتسوق بلا قيود ـ وهي اللذة المتأصلة في فطرة المرأة والراجعة إلى تطورنا التاريخي الذي اتسم بالميل إلى الاقتناء والجمع ـ ومن دون الشعور بالذنب الشديد إزاء الإسراف في الإنفاق بعد انتهاء عملية التسوق.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

ولكن الأمر الذي كان فيه تحرير المرأة الغربية يستند في واقع الأمر إلى ذلك النظام المبني حرفياً على ظهور النساء في بلدان العالم النامي. فكيف تستطيع سلاسل محلات مثل بريمارك ومنافسيها في المراكز التجارية في الغرب أن تعرض فستاناً بهذه الأناقة بمثل هذا الثمن البخس؟ الإجابة هي: عن طريق تجويع وقهر النساء في بنجلاديش والصين والمكسيك وهايتي وأماكن أخرى من العالم.

ونحن نعلم جميعاً أن الملابس الرخيصة تُصنَع عادة بأيدي عاملين ـ وغالباً بأيدي نساء ـ يحصلون على أجور زهيدة للغاية. كما نعلم ـ أو يتعين علينا أن نعلم ـ أن النساء العاملات في المصانع الاستغلالية في ظل ظروف سيئة للغاية في مختلف أنحاء العالم يحبسن ويمنعن حتى من استخدام المراحيض لفترات طويلة، هذا فضلاً عن التحرش الجنسي، ومنع العاملات بالعنف من الانضمام إلى النقابات، وغير ذلك من أشكال القهر والإكراه.

ولكن الأمر أشبه بسر عائلي من شأنه أن يسبب لنا الحرج إذا واجهناه بشكل مباشر، لذا فإن نساء الغرب يتجاهلن ما يحدث هناك ويتعامين عنه. لقد أدت مقاطعة القمصان المصنوعة في ظل مثل هذه الظروف في الولايات المتحدة إلى فرض ممارسات تصنيعية أكثر إنصافاً، كما أدت مقاطعة القهوة ومنتجاتها، تحت زعامة نساء من المستهلكات في الأغلب، إلى إرغام المتاجر الكبرى على العمل وفقاً لشروط تجارية أكثر عدلا. وفي الماضي كان للنساء الأكثر ثراءً تاريخ طويل من العمل الفعّال في تنظيم المقاطعات للمصنوعات المنتجة في ظل ظروف عمل رديئة: ففي العصر الفيكتوري كنا نرى النساء الفقيرات يصبن بالعمى في مزاولة "حرف الإبرة" لتصنيع الملابس المطرزة للنساء الثريات، إلى أن أدى الاشمئزاز من جانب المستهلكات إلى فرض ظروف عمل أفضل. وعلى النقيض من هذا اليوم، لا توجد حركة كبيرة تحت زعامة نساء العالم المتقدم تهدف إلى وقف هذا الاستغلال العالمي من قِبَل الشركات المصنعة العازمة على خفض التكاليف إلى أدنى حد ممكن ـ رغم أن أموالنا هي الأداة الوحيدة التي تتمتع بالقوة الكافية لإرغام شركات التصنيع على تغيير أساليبها.

والسبب بسيط: فنحن نحب الأشياء على حالها.

ولكن سوف يكون من الصعب على نحو متزايد أن نستمر على موقف "بعيد عن العين، بعيد عن البال". والواقع أن النساء في البلدان النامية ـ بعض من أكثر النساء خضوعاً للاستغلال والقهر على وجه الأرض ـ بدأن يرفعن أصواتهن بالفعل.

على سبيل المثال، أوردت صحيفة فاينانشيال تايمز في تقرير نشرته في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران الخبر التالي: "مئات من مصانع إنتاج الملابس في بنجلاديش والتي تمد المشترين الغربيين مثل شركة ماركس وسبنسر، وشركة تسكو، وشركة والمارت، وشركة اتش آند إم، عادت إلى فتح أبوابها تحت حماية مشددة من قوات الشرطة... وذلك بعد أيام من الاحتجاجات العنيفة التي شارك فيها عشرات الآلاف من العمال الذين يطالبون بأجور أعلى". ولقد استخدم ألف من أفراد شرطة مكافحة الشغب الطلقات المطاطية والغاز المسيل للدموع لتفريق العمال، الأمر الذي أسفر عن إصابة المئات بجراح، ولكن المحتجين لم يتراجعوا.

إن القسم الأعظم من المليوني عامل في صناعة الملابس في بنجلاديش من النساء، وهن أدنى عمال صناعة الملابس أجراً على مستوى العالم، حيث لا تتجاوز أجورهن 25 دولاراً شهريا. ولكنهن يطالبن بمضاعفة أجورهن إلى ثلاثة أمثالها تقريبا (70 دولارا). ومن الواضح أن العاملين في هذا المجال يعجزون عن إطعام أنفسهم وأسرهم بالمستوى الحالي من الأجور.

ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تتصاعد الإضرابات والاضطرابات في بنجلاديش، وأيضاً في فيتنام، حيث ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز على لسان أصحاب البنوك الاستثمارية أن أجور النساء العاملات في صناعة الملابس في مثل هذه البلدان "متدنية للغاية".

لقد عادت المصانع إلى العمل ـ في الوقت الراهن. ولكن الحكومة في بنجلاديش تدرس زيادة الحد الأدنى للأجور. وإذا حدث ذلك فإن واحدة من أكثر القوى العاملة خضوعاً للقهر على مستوى العالم سوف تحقق نصراً عظيماً ـ وهو نصر رمزي إلى حد كبير في الوقت الحالي، ولكنه نصر من شأنه أن يلهم نساء أخريات من العاملات في تصنيع الملابس في مختلف أنحاء العالم للنهوض والاحتجاج.

وأقول هذا لكل نساء الغرب، يتعين علينا أن نتحدى أنفسنا في متابعة هذه القصة والبحث عن السبل اللازمة لعمل الصواب وتغيير أنماطنا الاستهلاكية. لقد حان الوقت لإظهار دعمنا للنساء اللاتي يعانين من التمييز الواضح العلني في مختلف أنحاء العالم ـ وبطرق لم نعد نشهد مثلها في بلادنا. علينا أن ندعم اقتصاد التجارة العادلة، وأن نرفض التسوق من المنافذ المستهدفة من قِبَل الناشطين بسبب ممارسات العمالة غير العادلة (للاطلاع على المزيد من المعلومات يمكنكم زيارة هذه الصفحة على شبكة الإنترنت: http://www.worldwatch.org/node/1485).

إذا تمكن النساء المحتجزات في العبودية في المصانع حيث ظروف العمل البائسة في مختلف أنحاء العالم من الفوز في هذه المعركة الحاسمة، فإن ذلك الثوب اللطيف في محلات بريمارك قد يتكلف سعراً إضافياً أكثر عدلاً. ولكن نفس الثوب يكلف النساء غير القادرات على إطعام أنفسهن وأطفالهن الآن ثمناً باهظاً بالفعل.

إذا علمت أنك تستطيع أن تحصل على صندل رائع ذي أشرطة جميلة تربط على الساق في مقابل ثلاث دولارات فقط، فلسوف تدرك حين تضع في حسبانك تكاليف العمل البشري أن الثمن خيالي إلى حد يجعله أدنى من أن يكون حقيقيا.

https://prosyn.org/awcJj1har