28d2600446f86f380e109628_ms7790c.jpg

في سِجن غزة

مدينة غزة ـ إذا حاولت دخول سجن مشدد الحراسة فقد لا تواجهك المصاعب والأهوال التي لابد وأن تمر بها إذا حاولت دخول ذلك الشريط من الأرض ـ الذي يمتد لخمسة وأربعين كيلومتراً طولاً، وربما ثمانية كيلومترات عرضا ـ الذي يسكنه 1,5 مليون فلسطيني من أهل غزة. دخلت غزة محاطاً بجدار بغيض وأبراج مراقبة كئيبة ومنطقة عازلة قاتلة، بتأشيرة دخول حصلت عليها بشِق الأنفس عند معبر ايريز ـ بوابات حديدية، واستجوابات من قِبَل ضباط هجرة شباب متبرمين، وأجهزة استكشاف. وعلى الجانب الآخر عبرت ممشى مسيج يمتد طوله كيلومتراً واحداً ويؤدي إلى هذا الجزء من فلسطين، المحصور بين إسرائيل ومصر والبحر الأبيض المتوسط ـ واللامبالاة العجيبة من جانب المجتمع الدولي.

إن المشاهد التي يراها العابر لهذا القفص الطويل (الممشى المسيج) ـ تحت حرارة الشمس اللافحة ـ مروعة: مجموعات صغيرة من الفلسطينيين يكسرون بقايا البنية الأساسية الصناعية التي قصفتها إسرائيل في غزة ـ الكتل الخرسانية المتناثرة على الأرض الرملية الممتدة. إنهم يحاولون تكسير هذه الكتل لاستخراج الحصى وأسياخ الصلب داخلها. ثم يحملون ما يمكنهم استخلاصه على عربات تجرها خيول أو حمير متهالكة. وهذا هو كل ما تبقى تقريباً من الصناعة في قطاع غزة.

إن العالم يفيق بشكل دوري على أهوال الحياة في غزة، ثم يعود إلى مشاهدة مباريات كأس العالم أو التخطيط للعطلة الصيفية. فقد أفقنا، على سبيل المثال، على فظائع الهجوم العسكري الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة في ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/كانون الثاني 2009، والذي راح ضحيته أكثر من 1300 قتيل فلسطيني (بما في ذلك ثلاثمائة طفل) وثلاثة عشر إسرائيليا. ثم تابعنا قصة الرعب الطويلة هذه مرة أخرى في شهر مايو/أيار حين هاجمت قوات الدفاع الإسرائيلية الأسطول التركي الصغير الذي كان يحمل إمدادات إغاثة إلى غزة، فأسفر الهجوم عن مقتل تسعة من المدنيين.

https://prosyn.org/kMJsSAzar