c0678d0046f86fa80bb81504_mw170c.jpg

وهم قوة الإرادة في الحوار بشأن تغير المناخ

كوبنهاجن ـ هناك مفهوم خاطئ وخطير مفاده أن قوة الإرادة والوفاق السياسي يشكلان العنصرين الوحيدين الغائبين واللازمين لمكافحة الانحباس الحراري العالمي. فالأمر يشتمل  أيضاً على عقبة تكنولوجية هائلة. إن إنهاء اعتمادنا على الوقود الأحفوري يتطلب تحولاً كاملاً لأنظمة الطاقة العالمية.

حتى الآن لا يوجد أي شكل من أشكال الطاقة البديلة يتمتع بالقدر الكافي من الفعالية حتى يصبح قادراً على منافسة الوقود الأحفوري على نطاق واسع. وبخلاف الطاقة النووية ـ التي ما تزال أكثر كلفة من الوقود الأحفوري ـ فإن كل الاحتمالات المعروفة تتطلب قدراً كبيراً من الأبحاث والتطوير.

ولنتأمل هنا حقيقة مخيفة مفادها أن الأبحاث التي يُعتَمَد عليها لتعزيز حجة خفض الانبعاثات الكربونية تستعين بنماذج اقتصادية تفترض ببساطة أن الطفرات التكنولوجية سوف تحدث من تلقاء ذاتها. فعلى مسارنا الحالي الذي يحيطه شعور غريب بالرضا عن الذات، وفي ظل الإنفاق العام الهزيل على الأبحاث والتطوير في مجال مصادر الطاقة النظيفة على مستوى العالم (2 مليار دولار سنوياً)، فمن المؤكد أن الطفرات التكنولوجية المطلوبة لن تأتي في الوقت المناسب.

وفي هذه الحالة فإن الحكومات سوف تحاول خفض الانبعاثات الكربونية من خلال فرض الضرائب ووضع مخططات المقايضة من دون توفير بدائل فعّالة. وبهذا فلن نتمكن من إحداث أي تأثير يذكر على تغير المناخ في المستقبل، في حين سنتسبب على المدى الأقصر في إلحاق أبلغ الضرر بالنمو الاقتصادي، الأمر الذي سيؤدي إلى انزلاق المزيد من الناس إلى مستنقع الفقر ودفع العالم بالكامل إلى موقف أشد إظلاماً.

لابد وأن نضع في اعتبارنا أن الطلب العالمي على الطاقة سوف يتضاعف بحلول عام 2050. واستخدام الوقود الأحفوري ـ الذي أصبح موضعاً للذم والقدح من قِبَل بعض الناس ـ يظل يشكل أهمية بالغة بالنسبة للتنمية الاقتصادية، والازدهار، وقدرة البشر على البقاء على قيد الحياة. كانت جماعات الضغط ووسائل الإعلام الساذجة تروج لمصادر الطاقة البديلة بكثافة، الأمر الذي جعلها تبدو وكأنها جاهزة للاستخدام على نطاق واسع، وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة.

وهناك من يزعمون على نحو متكرر أن الدنمرك ـ حيث من المقرر أن يجتمع الساسة في ديسمبر/كانون الأول للتفاوض بشأن اتفاق يخلف بروتوكول كيوتو ـ تستمد 20% من احتياجاتها من الطاقة من الرياح، الأمر الذي يجعلها صاحبة الحصة الأعظم على مستوى العالم بلا منازع. وهم يقدمون الدنمرك باعتبارها نموذجاً يتعين على بقية بلدان العالم أن تحتذي به، ودليلاً على أن خلق الوظائف الخضراء أمر سهل، وأن طاقة الرياح أثبتت كفاءتها كبديل رخيص للطاقة.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

ولكن الواقع الذي كشفته عنه دراسة حديثة أجراها المركز الدنمركي للدراسات السياسية يشير إلى أن طاقة الرياح تغطي أقل من 10% من احتياجات الدنمرك من الطاقة الكهربية، وذلك لأن قدراً كبيراً من الطاقة يتم إنتاجه حين لا يكون هناك طلب، ولأن هذه الطاقة تباع بتكاليف بخسة لبلدان أخرى. وهذا يعني أيضاً أن مقدار خفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون أقل كثيراً مما نتصور في الدنمرك، حيث يتكلف تخفيض طن واحد من ثاني أكسيد الكربون أكثر من ستة أمثال متوسط التكاليف الحالية في الاتحاد الأوروبي.

إن الدنمركيين يدفعون أعلى معدلات استهلاك الكهرباء مقارنة بأي دولة صناعية أخرى، وذلك بمتوسط يبلغ نحو 0,38 دولار عن كل كيلووات/ساعة، مقارنة بحوالي 0,08 دولار في الولايات المتحدة. والواقع أن صناعة توليد طاقة الرياح في الدنمرك تكاد تعتمد تمام الاعتماد على إعانات دافعي الضرائب المخصصة لدعم قوة العمل المتواضعة. فكل وظيفة جديدة في مجال توليد طاقة الرياح تكلف دافعي الضرائب في الدنمرك ما لا يقل عن 119 ألف دولار (81 ألف يورو) سنوياً. لقد حولت إعانات الدعم الحكومية مسار التوظيف نحو وظائف أقل إنتاجية في صناعة توليد طاقة الرياح، وهو ما يعني أن الناتج المحلي الإجمالي في الدنمرك أقل بنحو 270 مليون دولار من مستواه الطبيعي في حالة توظيف القوى العاملة في قطاع توليد طاقة الرياح في أماكن أخرى.

والتقرير يستنتج بصراحة أن أحداً ما كان ليتحدث عن صناعة الرياح في الدنمرك لو كان لزاماً عليها أن تتنافس طبقاً لشروط السوق.

وتشكل طاقة الرياح والطاقة الشمسية نسبة ضئيلة ـ أقل من 0,6% ـ من إجمالي احتياجات العالم من الطاقة. ولا يرجع السبب إلى التكاليف الباهظة لمثل هذه المصادر فحسب، بل إن الأمر يرجع أيضاً إلى العقبات التكنولوجية الهائلة التي يتعين علينا أن نتغلب عليها قبل أن تصبح مصادر فعّالة. فأولاً، لابد من بناء خطوط جديدة لنقل التيار المباشر الصادر عن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من المناطق حيث توجد أعلى تركيزات أشعة الشمس وسرعة الرياح إلى المناطق حيث يعيش أغلب الناس.

وثانياً، لابد من اختراع سبل تخزين الطاقة لاستخدامها وقت الحاجة. والواقع أن كريس جرين وإيزابيل جاليانا من جامعة ماكجيل يعتقدان أنه حتى مع ابتكار هذه السبل التقنية المتطورة، فإن تقطع الرياح والطاقة الشمسية وتقلبهما يعنيان أنهما من غير المرجح أن يشكلا المصدرين الكافيين لتوفير أكثر من 10-15% من الطاقة الكهربية من دون استثمارات ضخمة في أنظمة التخزين.

ولكي يحدث هذا فلابد من تحقيق زيادة كبيرة في حجم الأموال العامة المخصصة للبحث والتطوير. إذ لا يمكننا الاعتماد على المؤسسات الخاصة وحدها. وكما هي الحال مع الأبحاث الطبية فإن الإبداعات المبكرة لن تجني مكاسب مالية كبيرة، لذا فلن يكون هناك حافز قوي يدفع الاستثمارات الخاصة اليوم.

وكما اقترح إجماع كوبنهاجن والبنك الدولي مؤخراً فإن استثمار مائة مليار دولار سنوياً على الأقل في مشاريع البحث والتطوير سوف يكون مطلوباً إن كنا راغبين حقاً في إتاحة تقنيات الرياح والطاقة الشمسية وغير ذلك من مصادر الطاقة البديلة للاستخدام العام. وهذا المبلغ يعادل عشرة أمثال ما تنفقه الحكومات اليوم، ولكنه يظل يشكل جزءاً ضئيلاً من التكاليف المترتبة على السبل غير الفعّالة المقترحة للحد من الانبعاثات الكربونية.

ومن الممكن أن تلعب ضرائب الكربون دوراً مهماً في تمويل مشاريع البحث والتطوير. ولكن التوجه الذي نتبناه حالياً في مكافحة الانحباس الحراري العالمي ـ التركيز في المقام الأول على كم الكربون الذي يتعين علينا أن نحاول تخفيضه من خلال فرض الضرائب، بدلاً من التركيز على كيفية إنجاز التكنولوجيا اللازمة لذلك ـ يجعلنا نضع العربة أمام الحصان. نحن لسنا على المسار الصحيح لمنع المعاناة التي سوف تنجم عن الانحباس الحراري العالمي.

والمطلوب الآن ليس الإرادة السياسية فحسب. إذ أن المستقبل المزدهر يتطلب مصادر وفيرة للطاقة. ونحن الآن في مواجهة مهمة شاقة تتلخص في إيجاد بدائل جديرة بالثقة للوقود الأحفوري.

https://prosyn.org/EFSO9s8ar