rogoff190_NikadaGetty Images_stockmarketdigitalpeople Nikada/Getty Images

سياسة مالية خيالية

لندن ــ هل سيكون الركود التالي أسوأ مما تعتقدون؟ هل يتحول الانكماش الدوري التالي إلى انهيار، خاصة مع تقلص الحيز المتاح أمام البنوك المركزية الكبرى لإجراء مزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة؟ نظريا، تستطيع السياسة المالية العامة فعل الكثير لملء الفراغ. لقد شهد العقد الماضي تناميا في التحمس المتعصب للسياسات المالية العامة بين كثير من الاقتصاديين وواضعي السياسات، ومن المحتمل بشكل كبير خضوع أنشطة مراقبة وضبط أوضاع المالية العامة للاختبار على نطاق واسع في الانكماش التالي. فهل هذه الفئة من الاقتصاديين وواضعي السياسات على صواب؟

أشك في ذلك. فلقد جرى تسييس السياسات المالية العامة بصورة مبالغ فيها إلى حد أنها لا يمكن أن تصلح كبديل ثابت للبنوك المركزية التكنوقراطية الحديثة المستقلة، التي كان لها حتى الآن فضل المبادرة بدرجة كبيرة في تحقيق الاستقرار قصير الأجل. أما السياسة المالية فكان لها الصدارة في قضايا أساسية لكنها مثيرة للجدال ــ وأعني تلك التي تتعلق بالنمو، والاستقرار طويل الأجل، وتخصيص الإنفاق الحكومي ــ غير أن تحديد وتقرير مثل تلك السياسات المالية العامة يتطلب أسلوبا ديمقراطيا، على الأقل في الاقتصادات المتقدمة. بل إن التوصيفات الأكاديمية للسياسة المالية العامة كأداة تكنوقراطية يجعلنا نشعر غالبا وكأننا نعيش في حلقة من المسلسل الأميركي التلفزيوني ذا ويست وينج.

في هذا المسلسل الذي أشاد به النقاد، نجد الشخصية الخيالية التي تمثل الرئيس الأميركي المنتمي للحزب الديمقراطي، وهي شخصية "جيد بارتلت"، تضاهي الاقتصاديين خبرة بفضل التدريب والممارسة. يُظهر بارتلت موهبة في تقييم المشورة المقدمة من الخبراء المتخصصين للتوصل إلى قرارات فاصلة ودقيقة متعلقة بالسياسات الاقتصادية، تُحدث توازنا بين الفعالية والعدالة وحقائق الواقع السياسي، وذلك بفضل ما يتمتع به من صفات حميدة وأخلاق طيبة، وبفضل مساعدين على نفس الدرجة من الإخلاص والذكاء. ولا شك أنه يواجه معارضة في تمرير تشريعاته، لكن بارتلت ومساعديه ينتصرون في الغالب الأعم. ولا يقتصر تصوير أصحاب الأيديولوجيات اليمينية المعارضين لبارتلت على أنهم أشرار فحسب، إذ لا مانع من إظهارهم كأشخاص ضِحال التفكير أيضا.

https://prosyn.org/KAsMdESar