برلين - منذ عام 2009، بعدما هزت الأزمة المالية التي بدأت في أمريكا عام 2008 منطقة اليورو، أصبح الوضع الطبيعي الجديد في أوروبا يتسم بإدارة الأزمات. في الحقيقة، توالت الأزمات في أوروبا بعد ذلك، ومن غير المحتمل أن تتغير الأحوال قريبا.
فقد واجهت أوروبا أزمة مالية، وأزمة اليونان، وأزمة أوكرانيا، وفي أواخر صيف عام 2015، واجهت أزمة اللاجئين. والآن، ستقوم المملكة المتحدة التي تعتبر واحدة من أقوى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اقتصاديا وعسكريا، بإجراء استفتاء في 23 يناير/حزيران بشأن ما إذا كانت ستخرج من الاتحاد الأوروبي (ما يسمى ببريكست)، ويحتمل أن تواجه أوروبا أزمة الانفصال قريبا.
وتفاقمت أزمة الثقة على نطاق واسع في أوروبا ومؤسساتها في معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي أدى إلى إحياء الأحزاب والأفكار السياسية القومية وتراجع التضامن الأوروبي. كما أن إعادة تأميم أوروبا في تصاعد، مما يجعل هذه الأزمة أخطر من كل شيء، ويهدد بالتفكك الداخلي.
وقام القادة السياسيون للاتحاد الأوروبي ورؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء وقادة المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية باتخاذ قرار مصيري عقب الأزمة المالية. ووضعوا ثقتهم في إدارة الأزمة، بدلا من تطوير رؤية لأوروبا وإستراتيجية لتحقيق ذلك.
كان من الممكن القيام بالتنازلات الضرورية في إطار إدارة إستراتيجية لأوروبا، والتي كان سيترتب عنها بلا شك مخاطر سياسية في جميع الدول الأعضاء. بدلا من ذلك، اختار زعماء الاتحاد الأوروبي الخضوع لواقع الأزمات المختلفة، ووضعوا ثقتهم في صلابة الظروف. لكن هذا النهج، النابع من الجبن والمكر، كان له ثمنه أيضا: بالنسبة للمواطنين في الاتحاد الأوروبي، فاٍن تحرك هذا الأخير فقط في زمن الأزمة يدل على عجزه، وهو لا يستحق ثقتهم - كما أن ذلك لن يحل مشاكل القارة العجوز، بل سيؤدي ببساطة إلى مشاكل أخرى.
بعد ما يقرب من ستة عقود من التكامل الناجح، أصبحت أوروبا ميزة هائلة للحياة اليومية - تمثل واقعا سياسيا واقتصاديا ومؤسسيا وقانونيا. لكن كل مظاهر أوروبا تعتمد على حيوية روحها وفكرتها الأساسية. إذا ماتت هذه الفكرة في أوساط المواطنين والشعوب في أوروبا، فإن الاتحاد الأوروبي سيصل إلى نهايته، ليس مع إثارة ضجة لكن مع صرخة مريرة وطويلة الأمد.
Enjoy unlimited access to the ideas and opinions of the world’s leading thinkers, including long reads, book reviews, topical collections, short-form analysis and predictions, and exclusive interviews; every new issue of the PS Quarterly magazine (print and digital); the complete PS archive; and more. Subscribe now to PS Premium.
Subscribe
فالأمور لا يمكنها أن تستمر على هذا المنوال. مستقبل قارتنا في عالم سريع التغير على المحك. كما أن سياسة الخطوات البطيئة لم تعد كافية. فبدون رؤية متجددة لأوروبا ونهج فعال للتعامل مع الأزمات، سوف يرتفع عدد القوميين الجدد (والقدماء) في القارة، مما سيعرض للخطر المشروع برمته - المبني على التكامل السلمي على أساس سيادة القانون.
سوف يحسم استفتاء بريكست الأمر، بالنسبة لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على حد سواء. وسيتبع ذلك إما هدنة (كما آمل) أو كارثة تهز الاتحاد الأوروبي وتجلب كارثة لبريطانيا. لكن، مهما يكن قرار البريطانيين، فهناك أزمات عديدة في أوروبا تحتاج إلى معالجة.
ولا زالت الأزمة المالية مستمرة؛ فقط اتخذت شكلا سياسيا جديدا. وأظهرت البرتغال وإسبانيا وأيرلندا أن الأغلبية الديمقراطية لم تعد مستعدة لتحمل السياسة التقشفية كعلاج. كما تقترب الأزمة اليونانية من درجة الغليان مرة أخرى.
وقد ينهار اليورو بالفعل. وعلى الرغم من بوادر الانتعاش الاقتصادي المعتدل في منطقة اليورو، فإن الفجوة بين ألمانيا ومعظم الدول الأخرى في منطقة اليورو آخذة في الاتساع والتعمق. وليس هناك أي حديث عن التقارب في الاتحاد النقدي، ولم يقع لفترة طويلة.
ولكن من الواضح أنه بفشل اليورو سيفشل المشروع الأوروبي كله. فزعماء أوروبا يعرفون أن اليورو لا يزال غير قادر على مقاومة الأزمات، رغم التحسينات التقنية التي تحققت خلال الأزمة السابقة. وما لم يتم التوصل إلى حل وسط متجدد بين ألمانيا ودول أخرى في منطقة اليورو، فلن ينجح أبدا. في الواقع، هذا يعني إصلاح منطقة اليورو على أساس تكامل سياسي أعمق - لكن من الواضح أنه ليس مكسبا صغيرا.
الأمر نفسه ينطبق على الأمن المشترك في الاتحاد الأوروبي، وعلى حماية الحدود الخارجية، وإصلاح سياسة اللاجئين الأوروبية. وهنا أيضا تتطلب القيادة السياسية الفعالة رؤية متجددة من أجل أوروبا موحدة في القرن الحادي والعشرين - ما يمكن ويجب أن تقدم، وكيف ينبغي أن تٌشَكل، وما هي المؤسسات والسلطة التي تتطلبها.
لا داعي للخوف من الأزمات في أوروبا. فالأزمات تحرك الأمور وتتيح الفرص للاتحاد الأوروبي للمضي قدما وليصبح أقوى، شريطة أن يواجه المخاطر السياسية المصاحبة دون خوف.
وبمجرد أن تصدر المملكة المتحدة قرارها في يونيو المقبل، يتعين على أوروبا تقديم ردها بشجاعة وبرؤية وحلول حقيقية. القومية ليست هي الحل. وفقط الأوروبيون الصادقون من يمكنهم ضمان مستقبل سلمي ومزدهر لأوروبا.
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
For Communists, education is above all about engineering the soul.
But while the Communist Party of China is getting rid of any school textbooks that tell the truth about Hong Kong’s past and its democratic aspirations, historical facts cannot be erased forever.
is not surprised by the CPC authorities’ ongoing attempts to rewrite Hong Kong’s history.
At a time of deep frustration with the status quo, the reasons for Gustavo Petro’s victory in Colombia’s presidential runoff are not difficult to discern. But it is much less clear whether Petro will be able to implement his ambitious reform agenda.
considers the implications of Gustavo Petro’s election as the country’s next president.
Russia’s invasion of Ukraine has created a very different geopolitical context from that of 25 years ago, when the Spanish capital last hosted a NATO summit. Today, only the political will of Europeans and their leaders will be able to strengthen the continent’s security.
argues that a strong Europe is indispensable for revitalizing the transatlantic alliance.
On both sides of the Atlantic, policymakers, pundits, and the public fear that financial markets' appetite for immediate profit poses a growing threat to communities, economies, and the planet. But the argument is a red herring, and buying into it will lead to misguided, and possibly counterproductive policies.
disputes the widespread assumption that climate change and other problems are due to myopic profit-seeking.
The Alliance’s leaders are preparing to gather for a summit at a critical moment for European security. But even if Turkish opposition to Finland and Sweden’s membership bids can eventually be overcome, is Europe adequately prepared to serve as a capable military partner for NATO?
Log in/Register
Please log in or register to continue. Registration is free and requires only your email address.
برلين - منذ عام 2009، بعدما هزت الأزمة المالية التي بدأت في أمريكا عام 2008 منطقة اليورو، أصبح الوضع الطبيعي الجديد في أوروبا يتسم بإدارة الأزمات. في الحقيقة، توالت الأزمات في أوروبا بعد ذلك، ومن غير المحتمل أن تتغير الأحوال قريبا.
فقد واجهت أوروبا أزمة مالية، وأزمة اليونان، وأزمة أوكرانيا، وفي أواخر صيف عام 2015، واجهت أزمة اللاجئين. والآن، ستقوم المملكة المتحدة التي تعتبر واحدة من أقوى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اقتصاديا وعسكريا، بإجراء استفتاء في 23 يناير/حزيران بشأن ما إذا كانت ستخرج من الاتحاد الأوروبي (ما يسمى ببريكست)، ويحتمل أن تواجه أوروبا أزمة الانفصال قريبا.
وتفاقمت أزمة الثقة على نطاق واسع في أوروبا ومؤسساتها في معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي أدى إلى إحياء الأحزاب والأفكار السياسية القومية وتراجع التضامن الأوروبي. كما أن إعادة تأميم أوروبا في تصاعد، مما يجعل هذه الأزمة أخطر من كل شيء، ويهدد بالتفكك الداخلي.
وقام القادة السياسيون للاتحاد الأوروبي ورؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء وقادة المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية باتخاذ قرار مصيري عقب الأزمة المالية. ووضعوا ثقتهم في إدارة الأزمة، بدلا من تطوير رؤية لأوروبا وإستراتيجية لتحقيق ذلك.
كان من الممكن القيام بالتنازلات الضرورية في إطار إدارة إستراتيجية لأوروبا، والتي كان سيترتب عنها بلا شك مخاطر سياسية في جميع الدول الأعضاء. بدلا من ذلك، اختار زعماء الاتحاد الأوروبي الخضوع لواقع الأزمات المختلفة، ووضعوا ثقتهم في صلابة الظروف. لكن هذا النهج، النابع من الجبن والمكر، كان له ثمنه أيضا: بالنسبة للمواطنين في الاتحاد الأوروبي، فاٍن تحرك هذا الأخير فقط في زمن الأزمة يدل على عجزه، وهو لا يستحق ثقتهم - كما أن ذلك لن يحل مشاكل القارة العجوز، بل سيؤدي ببساطة إلى مشاكل أخرى.
بعد ما يقرب من ستة عقود من التكامل الناجح، أصبحت أوروبا ميزة هائلة للحياة اليومية - تمثل واقعا سياسيا واقتصاديا ومؤسسيا وقانونيا. لكن كل مظاهر أوروبا تعتمد على حيوية روحها وفكرتها الأساسية. إذا ماتت هذه الفكرة في أوساط المواطنين والشعوب في أوروبا، فإن الاتحاد الأوروبي سيصل إلى نهايته، ليس مع إثارة ضجة لكن مع صرخة مريرة وطويلة الأمد.
Subscribe to Project Syndicate
Enjoy unlimited access to the ideas and opinions of the world’s leading thinkers, including long reads, book reviews, topical collections, short-form analysis and predictions, and exclusive interviews; every new issue of the PS Quarterly magazine (print and digital); the complete PS archive; and more. Subscribe now to PS Premium.
Subscribe
فالأمور لا يمكنها أن تستمر على هذا المنوال. مستقبل قارتنا في عالم سريع التغير على المحك. كما أن سياسة الخطوات البطيئة لم تعد كافية. فبدون رؤية متجددة لأوروبا ونهج فعال للتعامل مع الأزمات، سوف يرتفع عدد القوميين الجدد (والقدماء) في القارة، مما سيعرض للخطر المشروع برمته - المبني على التكامل السلمي على أساس سيادة القانون.
سوف يحسم استفتاء بريكست الأمر، بالنسبة لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على حد سواء. وسيتبع ذلك إما هدنة (كما آمل) أو كارثة تهز الاتحاد الأوروبي وتجلب كارثة لبريطانيا. لكن، مهما يكن قرار البريطانيين، فهناك أزمات عديدة في أوروبا تحتاج إلى معالجة.
ولا زالت الأزمة المالية مستمرة؛ فقط اتخذت شكلا سياسيا جديدا. وأظهرت البرتغال وإسبانيا وأيرلندا أن الأغلبية الديمقراطية لم تعد مستعدة لتحمل السياسة التقشفية كعلاج. كما تقترب الأزمة اليونانية من درجة الغليان مرة أخرى.
وقد ينهار اليورو بالفعل. وعلى الرغم من بوادر الانتعاش الاقتصادي المعتدل في منطقة اليورو، فإن الفجوة بين ألمانيا ومعظم الدول الأخرى في منطقة اليورو آخذة في الاتساع والتعمق. وليس هناك أي حديث عن التقارب في الاتحاد النقدي، ولم يقع لفترة طويلة.
ولكن من الواضح أنه بفشل اليورو سيفشل المشروع الأوروبي كله. فزعماء أوروبا يعرفون أن اليورو لا يزال غير قادر على مقاومة الأزمات، رغم التحسينات التقنية التي تحققت خلال الأزمة السابقة. وما لم يتم التوصل إلى حل وسط متجدد بين ألمانيا ودول أخرى في منطقة اليورو، فلن ينجح أبدا. في الواقع، هذا يعني إصلاح منطقة اليورو على أساس تكامل سياسي أعمق - لكن من الواضح أنه ليس مكسبا صغيرا.
الأمر نفسه ينطبق على الأمن المشترك في الاتحاد الأوروبي، وعلى حماية الحدود الخارجية، وإصلاح سياسة اللاجئين الأوروبية. وهنا أيضا تتطلب القيادة السياسية الفعالة رؤية متجددة من أجل أوروبا موحدة في القرن الحادي والعشرين - ما يمكن ويجب أن تقدم، وكيف ينبغي أن تٌشَكل، وما هي المؤسسات والسلطة التي تتطلبها.
لا داعي للخوف من الأزمات في أوروبا. فالأزمات تحرك الأمور وتتيح الفرص للاتحاد الأوروبي للمضي قدما وليصبح أقوى، شريطة أن يواجه المخاطر السياسية المصاحبة دون خوف.
وبمجرد أن تصدر المملكة المتحدة قرارها في يونيو المقبل، يتعين على أوروبا تقديم ردها بشجاعة وبرؤية وحلول حقيقية. القومية ليست هي الحل. وفقط الأوروبيون الصادقون من يمكنهم ضمان مستقبل سلمي ومزدهر لأوروبا.