greenslade1_Lynsey AddarioGetty Images Reportage_pneumoniachild Lynsey Addario/Getty Images Reportage

إنهاء جائحة مرض الجهاز التنفسي الدائمة

نيويورك- كشف فيروس كوفيد-19 عن القدرة المحدودة للأنظمة الصحية في جميع أنحاء العالم في التصدي لجائحة التهاب الجهاز التنفسي. ومع وصول المعدل المسجل رسميا لحالات الوفيات بسبب كوفيد-19 إلى أكثر من خمسة ملايين، بالإضافة إلى العدد غير الرسمي المقدر بما يصل إلى خمسة أضعاف، أصبحت معانات النظم الصحية في كل مكان واضحة للجميع.

وما يقل وضوحا هو كيف أغفل كوفيد-19 العالم عن الحقيقة. إذ لطالما كانت أمراض الجهاز التنفسي السبب المعدي الرئيسي للوفاة على مستوى العالم. وقبل جائحة كوفيد-19، كان يموت سنويا ما يقدر بنحو 2.5 مليون بالغ وطفل بسبب الالتهاب الرئوي. ولا توجد عدوى أخرى تسبب نفس هذا العدد من الوفيات.

[جدول]

وتحدث الوفيات بسبب الالتهاب الرئوي في جميع البلدان. وفي البلدان المرتفعة الدخل، ترتفع الوفيات في صفوف كبار السن، بينما في البلدان منخفضة الدخل يسجل أكثر عدد من الضحايا في فئة الأطفال. وتعاني العديد من البلدان ذات الدخل المتوسط من أعداد كبيرة من الوفيات في كلا المجموعتين.

وبناء على هذه البيانات، تعتبر التهابات الجهاز التنفسي "الجزء المفقود" الأهم في جدول أعمال الصحة العالمية. فقبل الوباء، لم تكن هناك حملة صحية عالمية تركز على الحد من وفيات الالتهاب الرئوي، أو وكالة صحية عالمية مسؤولة عن دعم البلدان للوقاية من الالتهاب الرئوي، وتشخيصه وعلاجه.

وحتى غافي، تحالف اللقاحات، الذي لديه تفويض بتطعيم الأطفال الأشد ضعفا في العالم، لم يتمكن من حماية أكثر من نصفهم بأحد أقوى الأسلحة ضد الالتهاب الرئوي- لقاح المكورات الرئوية المقترنة (PCV). وهذا يترك الكثير من الأطفال- أكثر من 350 مليون دون سن الخامسة- معرضين لإصابة بالعدوى بصورة خطيرة.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

وحتى ناقوس الخطر الذي أقرعته حالتان من تفشي الالتهاب التنفسي- المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (SARS-CoV) في عام 2002 ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS-CoV) في عام 2014- لم تكونا كافيتين لإقناع الحكومات الوطنية، ووكالات الصحة العالمية للتأكيد على السيطرة على الالتهاب الرئوي.

ونتيجة لذلك، لم تكن الأنظمة الصحية في جميع القارات مستعدة للتصدي لفيروس ( SARS-CoV-2)، وهو الفيروس المسبب لـكوفيد-19، وسرعان ما أصبح وباءً. وكانت السلطات الصحية الوطنية غير مجهزة للتعامل مع أفواج من موجات الأشخاص الذين يحتاجون إلى تشخيص سريع وعلاج- خاصة الكميات الهائلة من الأكسجين الطبي الذي يحتاجه مرضى كوفيد-19.

وبدأت الحوادث المأساوية للوفيات بسبب نقص الوصول إلى الرعاية تظهر في أمريكا اللاتينية في أوائل صيف عام 2020، وسرعان ما انتشرت في آسيا، والشرق الأوسط، وأفريقيا. ومن المستحيل نسيان معاناة المرضى الذين يكافحون من أجل التنفس، أو محنة أفراد الأسرة، والعاملين في قطاع  الصحة الذين يبحثون بشدة عن الأكسجين.

إننا لا نعرف عدد وفيات كوفيد-19 الناتجة عن عدم توفر التشخيص والعلاج، لكن العديد من البلدان التي لديها أعلى معدلات وفيات كوفيد-19 أبلغت عن معدلات اختبار منخفضة، ونقص في الأكسجين. والآن، بعد مرور أكثر من 18 شهرًا على انتشار الوباء، وعلى الرغم من توافر اللقاحات الفعالة، لا تزال الحكومات تسعى جاهدة لتقليل عدد الوفيات. ومن بين 50000 حالة وفاة بسبب كوفيد-19 التي لازالت تسجل كل أسبوع، فإن 70٪ منها سجل في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

وهذا غير مقبول. إذ يجب أن تصبح جائحة كوفيد-19 نقطة تحول للسيطرة على الالتهاب الرئوي في كل مكان. إذ يجب ألا تعاني البلدان مرة أخرى من وفيات جماعية نتيجة لوباء التهاب الجهاز التنفسي. ويجب ألا تستمر هذه الأعداد الكبيرة من الناس في الموت سنويا بسبب التهابات رئوية غير مرتبطة بـكوفيد

ولكن سيحصل ذلك ما لم تحول الحكومات الوطنية خططها التفاعلية للاستجابة للأوبئة إلى استراتيجيات استباقية للسيطرة على الالتهاب الرئوي. إن وضع طريقة دائمة وفعالة للتصدي للالتهاب الرئوي من شأنه أن يقلل من الوفيات بسبب التهابات الجهاز التنفسي أيا كان نوعها، ويقلل من خطر حدوث جائحة التهاب تنفسي أخرى.

وسيتطلب تحقيق هذا الهدف تغطية كاملة للقاحات القوية المكافحة للالتهاب الرئوي، وأدوات تشخيص أفضل على جميع مستويات أنظمة الرعاية الصحية، وتحسين الوصول إلى العلاجات. كما سيتطلب العمل لتقليل عوامل الخطر الرئيسية التي تسبب الوفاة بالالتهاب الرئوي، بما في ذلك تلوث الهواء وهزال الأطفال والتدخين.

وينبغي لوكالات الصحة والتنمية العالمية مثل الصندوق العالمي، والبنك الدولي، والمرفق الدولي لشراء الأدوية، ومنظمة الصحة العالمية، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة، تحويل دعم كوفيد-19 الذي كانت تقدمه إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل إلى برامج طويلة الأجل لمكافحة الالتهاب الرئوي. لقد وفرت فرقة عمل طوارئ الأكسجين الخاصة بتعجيل الوصول إلى أدوات كوفيد-19 وحدها أكثر من 600 مليون دولار من إمدادات الأكسجين للبلدان المحتاجة، ويجب أن تمولها مجموعة العشرين لتعزز جهودها. ويجب على المؤسسات الخيرية الخاصة مواصلة دعم جهود المنظمات غير الحكومية لتعزيز خدمات الرعاية التنفسية بعد الوباء.

وبدون هذا الدعم المستمر، سيظل العالم معرضًا لاحتمال انتشار جائحة عدوى تنفسية أخرى. وسنخاطر بالفشل في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة للصحة، لا سيما أهداف الحد من وفيات الأمهات، والمواليد، والأطفال، وتقليل أعباء الأمراض المعدية وغير المعدية.

وعلى الرغم من أن كوفيد-19 قد كشف عن بعض العيوب الخطيرة في بنية الصحة العالمية، إلا أنه كشف أيضًا عن مقدار ما يمكن للحكومات الوطنية، ووكالات الصحة، والتنمية العالمية، والجهات المانحة تحقيقه عند الضغط عليها للاستثمار في مكافحة التهابات الجهاز التنفسي. فما مازال ينتظرنا الكثير من العمل.

وعلى أي حال، يتغير عالمنا بطرق من شأنها تسريع خطر ظهور وباء تنفسي آخر. وتنتشر العدوى المنقولة بالهواء عن طريق التنفس، والحديث، والضحك، والغناء في بيئة أكثر دفئًا وتتمتع بدرجة عالية من الحضرنة والحركة. إذ، هناك، تزيد النظم الغذائية السيئة، والحالات المزمنة، والمدى العمري الطويل من احتمال التعرض للمرض والموت. وستقاس تكلفة عدم استثمار الموارد اللازمة لمكافحة الالتهاب الرئوي بملايين الوفيات التي تسجل كل عام، وملايين أخرى في كل مرة تظهر جائحة جديدة.

ترجمة: نعيمة أبروش   Translated by Naaima Abarouch

https://prosyn.org/OfZb5nyar