جسدي، رأسمالي؟

لندن ـ في ستينيات القرن العشرين، ابتكرت الحركة النسائية شعار "أجسادنا، هوياتنا". إلا أن هذه الفكرة التحررية خضعت مؤخراً لتحول ساخر. ولقد عبرت سيدة أميركية عن هذه المفارقة في تبريرها لقرارها بالخضوع لجراحة تجميل فقالت: "كل ما نملكه في هذه الحياة، وكل ما نستطيع أن نقدمه لهذا العالم في كل يوم، هو أنفسنا... نفسي هي كل ما أملك".

كما أطنب المعلق الفرنسي هيرفي جوفين في امتداح هذا التوجه الجديد في التعامل مع الجسد في كتابه "قدوم الجسد" الذي احتل على نحو مفاجئ رأس قائمة أفضل المبيعات. إن جراحات التجميل، وزرع رقاقات الكمبيوتر العضوية، وتثقيب الجسد، كل ذلك يزخرف ويمجد الاعتقاد بأن أجسادنا هي ملكياتنا المتفردة. وفي نفس الوقت يجزم جوفين بأنه ما دام لكل إنسان جسد خاص به فقد تحولت الملكية فجأة إلى عملية ديمقراطية.

يبدو أننا نعيش عصراً يشهد أبشع أشكال إخفاق أحلام التنوير، والتقدم، والسلام العالمي، والمساواة بين الأثرياء والفقراء. وذلك، إلى جانب العداوة المنتشرة ضد الأديان المنظمة التي تتجلى في تلك الكتب التي تحظى بشعبية ضخمة مثل كتاب ريتشارد دوكينز "وهم الرب"، والإحباط إزاء المثل الاجتماعية، يعني أننا نتحرك نحو الانغلاق على الذات. ومع غياب الإيمان بالحياة الأبدية الآخرة، فإن المرء يستثمر كل ما يملك في هذه الحياة، في هذا الجسد.

https://prosyn.org/NILZ2qqar