تعتمد خدمات الصحة العقلية في كل أنحاء العالم إلى حد كبير على افتراض مفاده أن الشعور بالضيق والانزعاج أو الارتباك أو فقدان الحس بالزمان والمكان من الحالات التي تندرج تحت فئة الاعتلال الطبي. وهنا في أستراليا استقدمنا وجهة النظر هذه من الخارج، فعملنا بذلك على طمس ذلك الفهم الأكثر شمولاً لهذا النوع من المعاناة الإنسانية، والذي قدمه إلينا العالِـمان ماوري و أبوريجينال . ولقد فعلنا هذا على الرغم من الدراسات العديدة التي أثبتت أن معدلات الشفاء من "المرض العقلي" في الدول "النامية أو المتخلفة" تتجاوز نظيراتها في المجتمعات "المتقدمة" إلى حد بعيد.
فاليوم أصبحت كل مشكلة تُـعَـرَّف باعتبارها "خللاً" أو "مرضاً" يرجع افتراضاً إلى الاستعداد الجيني الوراثي أو الخلل في الكيمياء الحيوية للجسم. أما الأحداث التي تعرض للإنسان فقد أنزلت إلى مرتبة دنيا فاعتبرت مجرد أداة لتفجير قنابل زمنية بيولوجية كامنة.
وعلى هذا فإن الشعور بالحزن الشديد أصبح يعرف بـِ "الخلل الاكتئابي". أما القلق الزائد عن الحد فأصبح يعرف بـِ "القلق المرضي"، والخجل المفرط بات يعرف بـِ "خلل الشخصية الاجتنابية"، واللجوء إلى العنف في التعامل مع الآخرين صار يعرف بـِ "الخلل الانفعالي المتقطع"، والإفراط في المقامرة، أو تعاطي الكحوليات والعقاقير، أو حتى تناول الطعام بات يعرف أيضاً باعتباره مرضاً. وينطبق نفس الكلام على الإقلال الشديد من تناول الطعام، أو النوم، أو حتى ممارسة الجنس. ويشتمل دليلنا التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية على 886 صفحة من هذه الأمراض. فكل السلوكيات غير المعتادة أو غير المرغوبة تعتبر الآن "أعراضاً"، والمسميات العديدة لأنواع الخلل المختلفة صارت "تشخيصات".
To continue reading, register now.
Subscribe now for unlimited access to everything PS has to offer.
Ashoka Mody
explains the roots of the lack of accountability in India, highlights shortcomings in human capital and gender equality, casts doubt on the country’s ability to assume a Chinese-style role in manufacturing, and more.
While China and the US take advantage of scale to pursue large-scale investment in critical sectors, the EU struggles to follow suit, owing to its decentralized fiscal structures and rules limiting government subsidies to industry. A new EU-level investment program is urgently needed.
advocates a federal investment program, funded by EU sovereign-debt issuance and administered centrally.
تعتمد خدمات الصحة العقلية في كل أنحاء العالم إلى حد كبير على افتراض مفاده أن الشعور بالضيق والانزعاج أو الارتباك أو فقدان الحس بالزمان والمكان من الحالات التي تندرج تحت فئة الاعتلال الطبي. وهنا في أستراليا استقدمنا وجهة النظر هذه من الخارج، فعملنا بذلك على طمس ذلك الفهم الأكثر شمولاً لهذا النوع من المعاناة الإنسانية، والذي قدمه إلينا العالِـمان ماوري و أبوريجينال . ولقد فعلنا هذا على الرغم من الدراسات العديدة التي أثبتت أن معدلات الشفاء من "المرض العقلي" في الدول "النامية أو المتخلفة" تتجاوز نظيراتها في المجتمعات "المتقدمة" إلى حد بعيد.
فاليوم أصبحت كل مشكلة تُـعَـرَّف باعتبارها "خللاً" أو "مرضاً" يرجع افتراضاً إلى الاستعداد الجيني الوراثي أو الخلل في الكيمياء الحيوية للجسم. أما الأحداث التي تعرض للإنسان فقد أنزلت إلى مرتبة دنيا فاعتبرت مجرد أداة لتفجير قنابل زمنية بيولوجية كامنة.
وعلى هذا فإن الشعور بالحزن الشديد أصبح يعرف بـِ "الخلل الاكتئابي". أما القلق الزائد عن الحد فأصبح يعرف بـِ "القلق المرضي"، والخجل المفرط بات يعرف بـِ "خلل الشخصية الاجتنابية"، واللجوء إلى العنف في التعامل مع الآخرين صار يعرف بـِ "الخلل الانفعالي المتقطع"، والإفراط في المقامرة، أو تعاطي الكحوليات والعقاقير، أو حتى تناول الطعام بات يعرف أيضاً باعتباره مرضاً. وينطبق نفس الكلام على الإقلال الشديد من تناول الطعام، أو النوم، أو حتى ممارسة الجنس. ويشتمل دليلنا التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية على 886 صفحة من هذه الأمراض. فكل السلوكيات غير المعتادة أو غير المرغوبة تعتبر الآن "أعراضاً"، والمسميات العديدة لأنواع الخلل المختلفة صارت "تشخيصات".
To continue reading, register now.
Subscribe now for unlimited access to everything PS has to offer.
Subscribe
As a registered user, you can enjoy more PS content every month – for free.
Register
Already have an account? Log in