mw447c.jpg Matt Wuerker

حياة حسب الطلب

ملبورن ـ في القرن السادس عشر قدَّم الكيميائي باراسيلسوس وصفة لخلق كائن حي تبدأ بوضع حيوانات منوية في حاوية تعفين يطلق عليها "فينتر اكوينوس". ويترجم هذا المصطلح عادة إلى "روث الخيل"، ولكن الكلمة اللاتينية "فينتر" تعني بطن أو رحم.

لذا فإن علماء ما وراء الطبيعة (العلوم السرية) سوف يبتهجون كثيراً الآن حين يعلمون أن كريج فينتر كان بمثابة القوة الدافعة وراء فريق العلماء الذين أعلنوا في الشهر الماضي أنهم تمكنوا من صنع شكل من أشكال الحياة الاصطناعية: بكتيريا تحتوي على جينوم مصمم من مواد كيميائية في مختبر.

والبكتريا الجديدة التي أطلق عليها "سنثيا" تستنسخ البروتين وتنتجه. وبأي تعريف معقول فإن هذه البكتريا تُعَد كائناً حيا. ورغم أنها شبيهة بالبكتيريا الطبيعية التي تم نسخها منها إلى حد كبير، فقد وضع صانعوها سلاسل مميزة من الحمض النووي في جينومها لكي يثبتوا أنها ليست كائناً طبيعياً. وهذه السلاسل تعبر، بالرمز، عن عنوان موقع على شبكة الإنترنت، وأسماء الباحثين، واقتباسات ذكية مثل مقولة ريتشارد فاينمان: "ما لا أستطيع أن أبنيه فلن أتمكن من فهمه".

قبل بِضع سنوات بدأت البيولوجيا الاصطناعية تلوح في الأفق باعتبارها القضية الكبرى التالية على ساحة أخلاقيات علم الأحياء. فقد توقع العلماء في معهد جيه. كريج فينتر أن يقال لهم إنهم كانوا "يلعبون دور الرب"، وجاءت توقعاتهم في محلها.

ويقول أستاذ أخلاق الطب الحيوي المعروف آرت كابلان من جامعة بنسلفانيا: "إن ما أنجزه هؤلاء العلماء يُعَد اكتشافاً ذا أهمية تاريخية عظيمة، لأنه يغلق باب المناقشة حول ضرورة وجود قوة خاصة لإيجاد الحياة". وحين سُئِل فينتر عن مدى أهمية ما أنجزه فريق العلماء قال: "لقد أحدث عملهم تغييراً فلسفياً هائلاً في نظرتنا إلى الحياة".

وأشار آخرون إلى أنه بالرغم من نجاح فريق العلماء في إنتاج جينوم اصطناعي، فإنهم وضعوه في خلية من بكتريا أخرى، مبدلين بذلك الحمض النووي لتلك الخلية. فنحن لم نتمكن حتى الآن من بناء كائن حي بالاستعانة بزجاجات تحتوي على مواد كيميائية فقط، وعلى هذا فإن كل من يؤمن بوجود "قوة مسؤولة عن الحياة" لا يمكن بثها في المادة الجامدة إلا عن طريق كيان إلهي، فسوف يظل متمسكاً بإيمانه هذا بلا أدنى شك.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

وعلى مستوى أكثر عملية قال فينتر إن عمل الفريق أسفر عن إنتاج "مجموعة بالغة القوة من الأدوات" لإعادة تصميم الحياة. ولقد تعرض فينتر للانتقاد لأن البحث تم بتمويل من شركة سينثيتيك جينوميكس، التي شارك في تأسيسها، والتي سوف تحصل على حقوق الملكية الفكرية الناتجة عن البحث ـ والتي تقدمت بالفعل بثلاثة عشر طلباً للحصول على براءات اختراع مرتبطة بهذا البحث. ولكن استكمال هذا العمل تطلب عشرة أعوام من العمل من جانب عشرين من العلماء، وبتكلفة تقدر بنحو 40 مليون دولار، ولا شك أن المستثمرين التجاريين يشكلون المصدر الواضح لمثل هذا المبلغ من المال.

ويحتج آخرون زاعمين إن الكائنات الحية لا ينبغي أن تخضع لبراءات الاختراع. ولكن هذه المعركة حُسِمَت في عام 1980، حين قررت المحكمة العليا في الولايات المتحدة أن منتجي الكائن الدقيق المعدل وراثياً والمصمم لتنظيف بقع النفط المتسربة يستحقون الحصول على براءة اختراعه. (من الواضح، بالنظر إلى الأضرار الناجمة عن تسرب بريتيش بتروليم في خليج المكسيك، أن ذلك الكائن ما زال يحتاج إلى الكثير من العمل).

وفي عام 1984 تقدمت براءات الاختراع الخاصة بالحياة خطوة أخرى حين نجحت جامعة هارفارد في الحصول على براءة اختراع "فأر السرطان"، وهو فأر مصمم جينياً للإصابة بالسرطان بسهولة، بحيث يصلح كأداة بحثية أكثر فائدة. وهناك في واقع الأمر أسباب وجيهة للاعتراض على تحويل كائن حساس إلى أداة مختبر قابلة لبراءة الاختراع، ولكن ليس من السهل أن نفهم لماذا لا يغطي قانون براءات الاختراع البكتريا أو الطحالب المصممة حديثاً، والتي لا تشعر بشيء وقد تكون مفيدة كأي اختراع آخر.

الواقع أن مجرد وجود البكتريا الجديدة "سنثيا" يشكل تحدياً للتمييز بين الحي والاصطناعي والذي يشكل الأساس للقدر الأعظم من معارضة "إخضاع الحياة لبراءات الاختراع" ـ ولو أن الإشارة إلى هذا لا تعني الموافقة على منح هذا الكم الهائل من براءات الاختراع التي تمنع علماء آخرين من تحقيق اكتشافاتهم الخاصة في هذا الميدان الجديد من العلم.

أما عن الفوائد المحتملة التي قد تترتب على إنتاج البكتريا الاصطناعية، فلا شك أن منافسة مولد "سنثيا" لأخبار أسوأ تلوث نفطي على الإطلاق في احتلال العناوين الرئيسية يدلل على أهميتها أكثر من أي جهد مبذول في مجال العلاقات العامة. فذات يوم قد يكون بوسعنا أن نصمم بكتريا قادرة على تنظيف بقع النفط بسرعة وأمان وفعالية. وطبقاً لتصريح فينتر فإن التكنولوجيا الجديدة التي أسفر عنها عمل هذا الفريق كانت لتساعد في إنتاج لقاح يحمينا من أنفلونزا الخنازير في غضون يوم واحد وليس عدة أسابيع، لو كانت متاحة قبل عام واحد.

ولكن الاحتمال الأكثر إثارة الذي يطرحه فينتر يدور حول شكل من الطحالب قادر على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي واستخدامه في تصنيع وقود الديزل أو البنزين. ولقد أبرمت شركة سينثيتيك جينوميكس اتفاقاً مع شركة إكسون موبيل بقيمة 600 مليون دولار أميركي لاستخلاص الوقود من الطحالب.

من الواضح أن إطلاق أي كائن اصطناعي لابد وأن يخضع لتنظيم دقيق، كما هي الحال مع إطلاق أي كائن معدل وراثياً. ولكن أي قدر من المجازفة لابد وأن يوزن في مقابل التهديدات الخطيرة الأخرى التي تواجهنا. على سبيل المثال، يبدو أن المفاوضات الدولية الخاصة بتغير المناخ وصلت إلى طريق مسدود، وأصبحت الشكوك الجماهيرية في مسألة الانحباس الحراري العالمي في تصاعد مستمر، حتى على الرغم من استمرار الأدلة العلمية في التأكيد على أن الانحباس الحراري حقيقة واقعة وأنه سوف يهدد حياة المليارات من البشر.

في مثل هذه الظروف فإن المخاطر الحقيقية التي قد تترتب على البيولوجيا الاصطناعية تبدو ضئيلة إذا ما قورنت بالأمل في قدرتها على تمكيننا من تفادي وقوع كارثة بيئية وشيكة.

https://prosyn.org/nXL4KhAar