تعليق

رغم أن الركود الاقتصادي الحالي خطير ولا نعلم إلى متى سيدوم، لكن رغم ذلك  يجب أن نستمر في التركيز على مخاطر التغييرات المناخية ذات الآثار بعيدة المدى. فإذا  تصرفنا بذكاء، يمكن للسياسات أن تخدم الهدفين المزدوجين المتمثلين في إنعاش النمو الاقتصادي ومكافحة الاحتباس الحراري العالمي.

إن الحكومات التي  تعمل بجد لصياغة اتفاق  جديد بدلا عن اتفاقية كيوتو في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في كوبنهاغن في نهاية هذه السنة يجب أن تعتمد حوافز قوية للتقليص من انبعاثات الغازات الدفيئة، وهو ما يمكن أن يحفز استثمارات القطاع الخاص ويساعد على دعم استعادة الاقتصاد لعافيته.

إن الخطوط العريضة للاستجابة الضرورية للمجتمع بشأن الاحتباس الحراري كانت واضحة منذ سنين. ويمكن لنظام تحديد سقف انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكاربون والتجارة في حصص انبعاثات الغازات توجيه الموارد نحو أكثر الإجراءات كفاءة في خفض انبعاثات الغازات. كما أن الاعتماد الواسع لمعايير ذات كفاءة في  الآلات والعربات والمباني وغيرها يمكن أن يساعد الشركات والأفراد على استعمال الطاقة بمقدار أقل.

لكن كثيرا من المبادرات الخاصة المنطلقة من السياسات يمكن أن تساعد الحكومة والمجتمع على الاستفادة بشكل أفضل من مرونة وطاقة الإبداع لدى الشركات، وذلك من أجل التحكم في انبعاثات الغاز الدفيئة، ومن هذه المبادرات:

-         المصادقة على اتفاقيات مبرمة بين مجموعات من الدول الرئيسية لخفض انبعاثات الغازات في القطاعات الصناعية الرئيسية.

-         توفير حوافز للشركات لتتبع غاز ثاني أكسيد الكاربون  وتخزينه بشكل آمن تحت الأرض، والإسراع في نشر هذه التكنولوجيا الواعدة.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

-         الاستفادة من صناديق الاستثمار في التكنولوجيا لدعم التطوير والاستخدام التجاري للتكنولوجيا الجديدة التي لها القدرة العالية على خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكاربون ومن ضمنها الوقود الحيوي المتطور.

ولا يزال الهدف الذي يسعى وراءه المفاوضون حتى يومنا هذا هو صياغة اتفاق عالمي تقبله الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. وبالرغم من أن ذلك يظل هو الهدف النهائي، إلا انه لا زال يبدو معقدًا وصعبًا للغاية.

ومن بين الوسائل الممكنة لإحراز التقدم الاتفاقات بين مجموعات صغيرة من الدول المحورية بشأن وضع سقف لانبعاثات الغازات لكل قطاع من القطاعات الاقتصادية لهذه الدول التي تصدر نسبة عالية من الغازات . وهذه الاتفاقات يمكنها أن تمثل أسسًا مهمة لاتفاق أشمل. وتشمل القطاعات التي يجب التركيز عليها توليد الطاقة الذي يمثل 35 في المائة من إجمالي الانبعاثات العالمية لغاز ثاني أكسيد الكاربون والصناعات الكيماوية وصناعة الصلب.

ويعد مشاركة عدد محدود من أهم الدول من الأمور التي قد تيسر الوصول إلى تسوية. ومثل هذه الاتفاقيات يمكن أن تهدئ من المخاوف التي تشهدها الصناعات العالمية التي تتسم بتنافسية عالية، حيث إن القواعد الصارمة  بشأن انبعاثات الغازات في منطقة ما ستمثل ضررًا للشركات في هذه المنطقة مقارنة مع منافسيها في دول لها سياسات أقل صرامة.

ومن الأمثلة الافتراضية على ذلك أن اتفاقًا بشأن الانبعاثات من محطات توليد الطاقة بالفحم  يمكن أن يشمل الدول ذات الاستهلاك الكبير مثل الصين والاتحاد الأوربي والهند واليابان والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تمثل جميعها نحو 80 في المائة من  قدرات توليد الطاقة بالفحم في العالم. وهذا الاتفاق يمكن أن يشمل آليات لنقل تكنولوجيا توليد الطاقة بالفحم دون إصدار انبعاثات غازية من الدول المتقدمة إلى الدول النامية. وتعد أنظمة تحديد سقف انبعاثات الغازات والتجارة في حصص انبعاثات الغازات مصدرًا للموارد وذلك عبر بيع حصص انبعاثات الغازات في مزادات.

إن الحاجة ملحة، فقارة آسيا وحدها سوف تقوم بإنشاء محطات لتوليد الطاقة بالفحم بسعة تقدر بحوالي 800 جيجا وات خلال العشر سنوات المقبلة، وهو ما يساوي كامل طاقة الاتحاد الأوربي لإنتاج الطاقة الكهربائية حاليًا. وعندما يتم إنشاء هذه المحطات، ستصدر أكثر من 4 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكاربون سنويًا- وهو ما يوازي تقريبا إجمالي انبعاثاث الغازات في الاتحاد الأوربي المرتبطة بالطاقة- وستعمل هذه المحطات لمدة ثلاثين سنة أو ما يزيد.

ويجب على المفاوضين بشأن المناخ أيضًا العمل على جعل تتبع وتخزين ثاني أكسيد الكربون أولوية. وبالرغم من أن الاستعمال المتزايد للطاقة المتجددة والنووية سيساعد على خفض انبعاثات الغازات، إلا أن هذه البدائل لن تستطيع مواكبة الطلب المتزايد بسرعة على الطاقة. فالوقود الأحفوري، سواء شئنا أم أبينا، سيستمر مصدر الطاقة الرئيسي في العالم لعشرات السنين.

ويعد إنتاج الوقود الأحفوري بشكل غير مضر بالبيئة أمرًا ضروريًا وجسرًا حيويًا للانتقال نحو مستقبل يتسم بانبعاثات أقل لثاني أوكسيد الكاربون. ووفقًا لبيانات لجنة الأمم المتحدة الحكومية حول المناخ، فإن تتبع وتخزين ثاني أوكسيد الكاربون يمكن أن يساهم بحوالي 55 في المائة في خفض انبعاثات الغازات في هذا القرن، وهو الأمر الذي يعتقد العلماء أنه ضروري لمواجهة الاحتباس الحراري. لكن الشركات مترددة بشأن الاستثمار في تتبع وتخزين ثاني أوكسيد الكاربون لأن ذلك يمثل زيادة كبيرة في النفقات ولا يوفر أي دخل أو مورد. ولذا فلكي يمكن  لتتبع وتخزين ثاني أوكسيد الكاربون أن يؤدي دوره، تحتاج الشركات إلى حوافز للاستثمار والى وسيلة لكسب المال من وراء ذلك.

إن على واضعي السياسات تشجيع تتبع وتخزين ثاني أوكسيد الكاربون بطرق عدة. فأولا يجب وضع سعر لانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكاربون، ويجب القبام بذلك من خلال وضع سقف لانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكاربون وإيجاد سوق يمكن للشركات فيها بيع وشراء حصص انبعاثات الغازات كما هو الحال بالنسبة للخطة الأوربية للتجارة في حصص انبعاثات الغازات. وثانيًا يجب الاعتراف بتكنولوجيا تتبع وتخزين ثاني أوكسيد الكاربون في إطار آلية التنمية النظيفة في اتفاقية كيوتو التي يمكن عبرها للدول المتقدمة الاستثمار في مشاريع خفض انبعاثات الغازات في الدول النامية.

وفي الختام يجب على الحكومات تشجيع تطوير التكنولوجيا واستعمالاتها التجارية مما يعد بمستقبل يعتمد على الطاقة التي تتميز بانخفاض نسبة الكربون. فالانخفاض الكبير في أسعار الطاقة والذي شهدته الشهور الأخيرة يجعل من غير المحتمل بالنسبة للمستثمرين من القطاع الخاص المغامرة بالاستثمار في تكنولوجيات لم تجرب بعد.

ومن الواضح أن خزائن الحكومات التي تعاني من شح الموارد ستواجه صعوبات لتوفير الموارد المالية، لكن خطط التجارة في حصص انبعاثات الغازات يمكن أن توفر مصدرا بديلا. فمثلا قام الاتحاد الأوربي أخيرا بتخصيص حصص للتجارة في انبعاثات الغازات بقيمة 300  مليون تمنح لمشاريع ابتكارية للطاقة المتجددة ومشاريع تخزين غاز ثاني أوكسيد الكاربون. وبحسب سعر السوق للطن الواحد من ثاني أوكسيد الكاربون، يمكن أن يعني ذلك حوالي ستة إلى تسعة مليار يورو من المساعدات لنشر مثل هذه التكنولوجيا الجديدة على نطاق واسع.

https://prosyn.org/2EVLJeUar