سانتياجو ــ لعل أميركا اللاتينية تمكنت من النجاة من التباطؤ الاقتصادي العالمي، ولكن كثيرين يرون أن التأثيرات المحتملة للانحباس الحراري العالمي، والتدابير اللازمة لتجنب أسوأ هذه التأثيرات، ربما تؤدي إلى تقويض التوازن السياسي والاقتصادي الهش في المنطقة ــ وبالتالي إهدار سنوات من التقدم.
ولكن الرخاء الاقتصادي والعمل على التخفيف من آثار تغير المناخ لا يتعارضان بالضرورة. والواقع أن الدورة الانتخابية الحالية في أميركا اللاتينية، مقترنة بمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي تستضيفه مدينة ليما في بيرو في ديسمبر/كانون الثاني، توفر الفرصة للمنطقة لإظهار الكيفية التي قد تتمكن بها الدول من الاستفادة من الاقتصاد المنخفض الكربون، والحد من المخاطر المناخية، وبناء الازدهار للأمد البعيد.
الواقع أن دول أميركا اللاتينية لا تبدأ من الصفر. ذلك أن أغلب الحكومات تعكف بالفعل على وضع السياسات وإعداد التشريعات بشأن تغير المناخ. وكانت المكسيك أو دولة ناشئة تستن قانوناً شاملاً لتغير المناخ في عام 2012، والذي يستهدف خفض الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي بنسبة 30% بحلول عام 2020. كما نجحت البرازيل مؤخراً في الحد من إزالة الغابات في منطقة الأمازون، فسجل صافي الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون هبوطاً حادة نتيجة لذلك. وتخطط الأوروجواي لتوليد 90% من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة بحلول عام 2015، في حين تسعى شيلي إلى توليد 20% من احتياجاتها من الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2025.
ومع اقتراب دورة 2014 الانتخابية في أميركا اللاتينية من نهايتها، سوف تصبح الحكومات الجديدة في بوليفيا والبرازيل وكولومبيا وكوستاريكا والحكومة المحتملة المقبلة في الأوروجواي في وضع يمكنها من حمل لواء الريادة في مجال تغير المناخ. وعلى أقل تقدير، يتعين عليها أن تتجنب الاستراتيجيات التي تقوض بلا داع السياسات المناخية والبيئية القائمة. وفي أفضل الأحوال، يستطيع زعماء أميركا اللاتينية أن يعملوا بنشاط على تسهيل أعمال مؤتمر ليما المرتقب، والذي سيكلف المفوضين بإعداد مشروع اتفاق لمعاهدة عالمية جديدة والتي من المقرر أن يتم وضع اللمسات الأخيرة عليها وإبرامها في باريس في العام المقبل. ولابد أن يكون الاتفاق طموحاً وعادلاً لكي يشكل الأساس لاستجابة عالمية لتغير المناخ لا تهدد رخاء أي دولة في المستقبل.
ولكن مؤتمر ليما من الممكن أن يقدم ما يزيد كثيراً على مجرد إطار لمعاهدة مناخية جديدة. فهو قادر على إطلاق حملة كبرى لاستنان التشريعات المناخية في مختلف أنحاء أميركا اللاتينية على النحو الذي يساعد في خلق مجتمعات مرنة اقتصادياً وأقل اعتماداً على الكربون. وبعيداً عن اعتبارها معرقلة للنمو الاقتصادي، ينبغي لنا أن ننظر إلى الحملة التشريعية المنسقة بوصفها شرطاً أساسياً مسبقاً لتحقيق التنمية المستدامة، وخاصة في أميركا اللاتينية. وكانت هذه هي الفرضية المركزية في التقرير الرئيسي الصادر في الشهر الماضي عن المفوضية العالمية للاقتصاد والمناخ، التي يتولى رئاستها الرئيس المكسيكي السابق فيليبي كالديرون، والتي قدمت حجة اقتصادية مقنعة لمكافحة تغير المناخ والحد من مخاطر تغير المناخ.
وتوفر تشريعات تغير المناخ أيضاً وسيلة لعكس هموم وشواغل مواطني أميركا اللاتينية، والفوز بتأييدهم. ومن الممكن أن ترسل هذه التشريعات إشارات إيجابية إلى القطاع الخاص أيضا، بما في ذلك المستثمرين الأجانب الذين يمكنهم المساعدة بشكل كبير في إحداث تغيير بعيد المدى. وبوسع المستثمرين من خلال التحفيز الملائم أن يساهموا في تعزيز الطاقة المتجددة؛ والاستثمار في النقل الحضري المستدام؛ وتشجيع الإبداع؛ وخلق فرص العمل في تكنولوجيات أكثر نظافة؛ وزيادة الإنتاجية؛ والمساعدة في تحويل المنطقة بعيداً عن اعتمادها على موارد طبيعية محدودة.
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
وبوسع العملية التشريعية أيضاً أن تعمل على تعزيز النفوذ الدبلوماسي للرابطة المستقلة لدول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي في محادثات المناخ في الأمم المتحدة. ومن الممكن أن تعمل الرابطة المستقلة لدول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، التي تضم شيلي وكولومبيا وكوستاريكا وجواتيمالا وبنما وبيرو، كصوت حاسم داعٍ إلى خفض مستويات انبعاث الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي في مختلف أنحاء العالم استناداً إلى المسؤوليات المتباينة لكل دولة. والواقع أن "الطريق الثالث" الذي تقدمه الرابطة المستقلة لدول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي بدأ يكتسب ثِقَلاً متزايداً ومن الممكن أن يثبت دوره الفعّال في تحقيق الاتفاق العالمي.
ومع ذلك، فإذا كان لهذا النهج الجديد أن يكتسب المصداقية، فإن الخطاب التقدمي الذي تتبناه الرابطة المستقلة لدول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي لابد أن يكون مدعوماً بالعمل المناخي داخل البلدان. ومن الأهمية بمكان أن لا تنظر الحكومات إلى مكافحة تغير المناخ وتعزيز النمو الاقتصادي باعتبارهما هدفين متضاربين. فهي ليست في احتياج إلى تفكيك التشريعات البيئية القائمة، أو إضعاف السياسات المناخية الوليدة، أو محاباة الوقود الأحفوري على حساب مصادر الطاقة النظيفة لضمان الازدهار. وتشير الموافقة على ضريبة الكربون في شيلي مؤخراً إلى أن الساسة يدركون هذه الحقيقة على نحو متزايد.
ومن بين المؤشرات الواضحة للتقدم قدرة الحكومات على زيادة نصيب الفرد في الدخل وخفض نصيب الفرد في الانبعاثات في نفس الوقت. ومع اقتراب محادثات ليما، فإن دول أميركا اللاتينية لديها فرصة هائلة لإثبات التزامها بتغيير التشريعات في الداخل، وتحقيق أهداف المناخ الطموحة على مستوى العالم.
إذا كان زعماء المنطقة الجدد راغبين حقاً في إظهار التزامهم بالتغيير، فهل من طريقة أفضل لتحقيق هذه الغاية من تبديد المخاوف الاقتصادية المحيطة بالتحرك لمكافحة تغير المناخ؟ الواقع أنهم بمسارعتهم إلى العمل الآن، يضعون بلدانهم ــ والعالم الأوسع ــ على مسار جديد يقود إلى مجتمعات مزدهرة وشاملة وصامدة في هذا العقد وما بعده.
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
Iran’s mass ballistic missile and drone attack on Israel last week raised anew the specter of a widening Middle East war that draws in Iran and its proxies, as well as Western countries like the United States. The urgent need to defuse tensions – starting by ending Israel’s war in Gaza and pursuing a lasting political solution to the Israeli-Palestinian conflict – is obvious, but can it be done?
The most successful development stories almost always involve major shifts in the sources of economic growth, which in turn allow economies to reinvent themselves out of necessity or by design. In China, the interplay of mounting external pressures, lagging household consumption, and falling productivity will increasingly shape China’s policy choices in the years ahead.
explains why the Chinese authorities should switch to a consumption- and productivity-led growth model.
Designing a progressive anti-violence strategy that delivers the safety for which a huge share of Latin Americans crave is perhaps the most difficult challenge facing many of the region’s governments. But it is also the most important.
urge the region’s progressives to start treating security as an essential component of social protection.
سانتياجو ــ لعل أميركا اللاتينية تمكنت من النجاة من التباطؤ الاقتصادي العالمي، ولكن كثيرين يرون أن التأثيرات المحتملة للانحباس الحراري العالمي، والتدابير اللازمة لتجنب أسوأ هذه التأثيرات، ربما تؤدي إلى تقويض التوازن السياسي والاقتصادي الهش في المنطقة ــ وبالتالي إهدار سنوات من التقدم.
ولكن الرخاء الاقتصادي والعمل على التخفيف من آثار تغير المناخ لا يتعارضان بالضرورة. والواقع أن الدورة الانتخابية الحالية في أميركا اللاتينية، مقترنة بمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي تستضيفه مدينة ليما في بيرو في ديسمبر/كانون الثاني، توفر الفرصة للمنطقة لإظهار الكيفية التي قد تتمكن بها الدول من الاستفادة من الاقتصاد المنخفض الكربون، والحد من المخاطر المناخية، وبناء الازدهار للأمد البعيد.
الواقع أن دول أميركا اللاتينية لا تبدأ من الصفر. ذلك أن أغلب الحكومات تعكف بالفعل على وضع السياسات وإعداد التشريعات بشأن تغير المناخ. وكانت المكسيك أو دولة ناشئة تستن قانوناً شاملاً لتغير المناخ في عام 2012، والذي يستهدف خفض الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي بنسبة 30% بحلول عام 2020. كما نجحت البرازيل مؤخراً في الحد من إزالة الغابات في منطقة الأمازون، فسجل صافي الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون هبوطاً حادة نتيجة لذلك. وتخطط الأوروجواي لتوليد 90% من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة بحلول عام 2015، في حين تسعى شيلي إلى توليد 20% من احتياجاتها من الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2025.
ومع اقتراب دورة 2014 الانتخابية في أميركا اللاتينية من نهايتها، سوف تصبح الحكومات الجديدة في بوليفيا والبرازيل وكولومبيا وكوستاريكا والحكومة المحتملة المقبلة في الأوروجواي في وضع يمكنها من حمل لواء الريادة في مجال تغير المناخ. وعلى أقل تقدير، يتعين عليها أن تتجنب الاستراتيجيات التي تقوض بلا داع السياسات المناخية والبيئية القائمة. وفي أفضل الأحوال، يستطيع زعماء أميركا اللاتينية أن يعملوا بنشاط على تسهيل أعمال مؤتمر ليما المرتقب، والذي سيكلف المفوضين بإعداد مشروع اتفاق لمعاهدة عالمية جديدة والتي من المقرر أن يتم وضع اللمسات الأخيرة عليها وإبرامها في باريس في العام المقبل. ولابد أن يكون الاتفاق طموحاً وعادلاً لكي يشكل الأساس لاستجابة عالمية لتغير المناخ لا تهدد رخاء أي دولة في المستقبل.
ولكن مؤتمر ليما من الممكن أن يقدم ما يزيد كثيراً على مجرد إطار لمعاهدة مناخية جديدة. فهو قادر على إطلاق حملة كبرى لاستنان التشريعات المناخية في مختلف أنحاء أميركا اللاتينية على النحو الذي يساعد في خلق مجتمعات مرنة اقتصادياً وأقل اعتماداً على الكربون. وبعيداً عن اعتبارها معرقلة للنمو الاقتصادي، ينبغي لنا أن ننظر إلى الحملة التشريعية المنسقة بوصفها شرطاً أساسياً مسبقاً لتحقيق التنمية المستدامة، وخاصة في أميركا اللاتينية. وكانت هذه هي الفرضية المركزية في التقرير الرئيسي الصادر في الشهر الماضي عن المفوضية العالمية للاقتصاد والمناخ، التي يتولى رئاستها الرئيس المكسيكي السابق فيليبي كالديرون، والتي قدمت حجة اقتصادية مقنعة لمكافحة تغير المناخ والحد من مخاطر تغير المناخ.
وتوفر تشريعات تغير المناخ أيضاً وسيلة لعكس هموم وشواغل مواطني أميركا اللاتينية، والفوز بتأييدهم. ومن الممكن أن ترسل هذه التشريعات إشارات إيجابية إلى القطاع الخاص أيضا، بما في ذلك المستثمرين الأجانب الذين يمكنهم المساعدة بشكل كبير في إحداث تغيير بعيد المدى. وبوسع المستثمرين من خلال التحفيز الملائم أن يساهموا في تعزيز الطاقة المتجددة؛ والاستثمار في النقل الحضري المستدام؛ وتشجيع الإبداع؛ وخلق فرص العمل في تكنولوجيات أكثر نظافة؛ وزيادة الإنتاجية؛ والمساعدة في تحويل المنطقة بعيداً عن اعتمادها على موارد طبيعية محدودة.
Subscribe to PS Digital
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
وبوسع العملية التشريعية أيضاً أن تعمل على تعزيز النفوذ الدبلوماسي للرابطة المستقلة لدول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي في محادثات المناخ في الأمم المتحدة. ومن الممكن أن تعمل الرابطة المستقلة لدول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، التي تضم شيلي وكولومبيا وكوستاريكا وجواتيمالا وبنما وبيرو، كصوت حاسم داعٍ إلى خفض مستويات انبعاث الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي في مختلف أنحاء العالم استناداً إلى المسؤوليات المتباينة لكل دولة. والواقع أن "الطريق الثالث" الذي تقدمه الرابطة المستقلة لدول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي بدأ يكتسب ثِقَلاً متزايداً ومن الممكن أن يثبت دوره الفعّال في تحقيق الاتفاق العالمي.
ومع ذلك، فإذا كان لهذا النهج الجديد أن يكتسب المصداقية، فإن الخطاب التقدمي الذي تتبناه الرابطة المستقلة لدول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي لابد أن يكون مدعوماً بالعمل المناخي داخل البلدان. ومن الأهمية بمكان أن لا تنظر الحكومات إلى مكافحة تغير المناخ وتعزيز النمو الاقتصادي باعتبارهما هدفين متضاربين. فهي ليست في احتياج إلى تفكيك التشريعات البيئية القائمة، أو إضعاف السياسات المناخية الوليدة، أو محاباة الوقود الأحفوري على حساب مصادر الطاقة النظيفة لضمان الازدهار. وتشير الموافقة على ضريبة الكربون في شيلي مؤخراً إلى أن الساسة يدركون هذه الحقيقة على نحو متزايد.
ومن بين المؤشرات الواضحة للتقدم قدرة الحكومات على زيادة نصيب الفرد في الدخل وخفض نصيب الفرد في الانبعاثات في نفس الوقت. ومع اقتراب محادثات ليما، فإن دول أميركا اللاتينية لديها فرصة هائلة لإثبات التزامها بتغيير التشريعات في الداخل، وتحقيق أهداف المناخ الطموحة على مستوى العالم.
إذا كان زعماء المنطقة الجدد راغبين حقاً في إظهار التزامهم بالتغيير، فهل من طريقة أفضل لتحقيق هذه الغاية من تبديد المخاوف الاقتصادية المحيطة بالتحرك لمكافحة تغير المناخ؟ الواقع أنهم بمسارعتهم إلى العمل الآن، يضعون بلدانهم ــ والعالم الأوسع ــ على مسار جديد يقود إلى مجتمعات مزدهرة وشاملة وصامدة في هذا العقد وما بعده.
ترجمة: مايسة كامل Translated by: Maysa Kamel