tb0454c.jpg

اليابان وفجوة الاتصالات

طوكيوـ إن قصة شركة تويوتا سوف تظل أسطورية بغض النظر عما قد يحدث لها بعد سحبها القسري للملايين من سياراتها. إن نشأة تويوتا من أصول متواضعة لشركة عائلية تعمل في مجالآلات النسج في منطقة نائية من وسط اليابان لكي تصبح صاحبة سوق السيارات العالمية المهيمنة والمرادف للجودة العالمية لأمر يبعث على الدهشة. فإلى جانب عددٍ ضئيل من الشركات اليابانية الأخرى البارزة ـ مثل سوني وهوندا وكانون على سبيل المثال ـ كانت تويوتا بمثابة النجم الساطع في سماء المعجزة الاقتصادية اليابانية.

والآن علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت المشاكل الحالية التي تواجهها تويوتا مؤقتة أو غير قابلة للعلاج. فعلى الرغم من المهانة الحالية التي تتعرض لها الشركة فإنها تمتلك مزايا هائلة ـ وفي كل الأحوال فإن المنافسة ليست شديدة إلى هذا الحد. ولكن لكي تتمكن من صيانةمكانتها العالمية فإنتويوتا ـ وأغلب الشركات اليابانية متعددة الجنسيات ـ تحتاج إلى تحول ثقافي ضروري.

فكما اتضح بجلاء من التأخير المحير من جانب رئيسها ومديرها التنفيذي (وحفيد مؤسسها) أكيو تويودا، في الرد على دعوته إلى المثول أمام الكونجرس الأميركي، فإن شركة تويوتا تعاني من مشكلة اتصالات عالمية خطيرة. وهذه المشكلة عبارة عن انعكاس لنقطة الضعف الأوسع انتشاراً والتي تتجسد في عدم إجادة اليابانيين للغات الأجنبية، وخاصة اللغة الإنجليزية. ولكن باعتبارها لاعباً عالمياً مهيمناً وشركة السيارات الأضخم على مستوى العالم، فإن هذا العذر ليس مقنعاً بالقدر الكافي.

كنت على اتصال وثيق بشركة تويوتا طيلة ثلاثة عقود من الزمان. ففي ثمانينيات القرن العشرين، وحين كانت الشركات الغربية في مختلف القطاعات تواجه ما اعتبره المراقبون تحدياً يابانياً شديدا، رافقت بعض المديرين الغربيين إلى اليابان لكي أتعرف على البلد والأساليب التي تنتهجها في الإدارة والإنتاج. ولا شك أن ذلك اشتمل على زيارات لمصانع شركة تويوتا. والواقع أن الأمر كان يستحق كل ما بذلته من جهد، ذلك أن أنظمة الإنتاج في شركة تويوتا تستحق كل الإعجاب والتقدير، ويتعين على الجميع أن يحاولوا محاكاتها.

ولكن في غضون ذلك العقد، لاحظت تغييراً طفيفاً. ففي الجزء الأخير من العقد استمر استقبال الوفود الإدارية الغربية بكل الأدب والاحترام، ولكن في الكثير من الأحيان كان يتم تعيين مرشدين محترفين لتوجيه تلك الوفود، وأصبح من غير الممكن إجراء أي حوار مع مديري شركة تويوتا، الذين كانوا في الماضي حريصين على أن يتعلموا ويعلموا. ولكن بدلاً من ذلك بدأنا نستشعر شكلاً غير متحفظ من أشكال التعالي في التعامل مع وفود المديرين الأجانب الزائرة.

مع اتجاه تويوتا نحو العولمة، نجحت في أواخر التسعينيات في تأسيس حضور تصنيعي أوروبي أكبر وإنشاء مقار لها في أوروبا. وكانت المؤسسة التعليمية التي أنتمي إليها (IMD) قد تعاقدت على تنفيذ سلسلة من برامج التنمية التنفيذية الإدارية في تويوتا أوروبا.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

وكان النمط "الطبيعي"، حين نتولى تنفيذ برنامج تدريبي لصالح فريق الإدارة العالمية لشركة نوكيا على سبيل المثال، أن يكون قسم من المشاركين من الفنلنديين العاملين في المكتب الرئيسي في هلسنكي. فلكي يتمكن المرء من إحراز نجاح عالمي فلابد وأن يتمتع بالقدرة على تلقي ونقل المعلومات؛ حيث يتعين على المديرين التنفيذيين الأجانب أن يتعرفوا على شركة نوكيا، ويتعين على نوكيا أن تفهم الديناميكيات التي تحرك الأسواق التي تعمل بها. وتحقيقاً لهذه الغاية فقد بادرت كل الشركات العالمية تقريباً (بما في ذلك سوني، الاستثناء الياباني الوحيد!) إلى تبني اللغة الإنجليزية باعتبارها اللغة التي تزاول بها أعمالها.

ولكن تويوتا كانت تتبنى خططاً مختلفة، حيث قررت أن يكون برنامج IMD للأوروبيين فقط وألا يشارك أي ياباني من المقر الرئيسي للشركة فيه. وكانت الرسالة واضحة: على الغربيين أن يتعلموا "سبيل" تويوتا، وليس من الضروري أن تتعرفتويوتا على الديناميكيات التجارية والثقافية للمجتمعات الأوروبية التي تزاول فيها أعمالها.

وفي النهاية قررت تويوتا الانسحاب من شبكة IMDالتعليمية. والسبب كما أخبرنا أحد المديرين التنفيذيين بصراحة: "نحن لا نشعر أن أياً من أعضاء الشبكة الآخرين لديه ما قد نتعلمه منه" (تتضمن الشبكة شركات عالمية مثل نوكيا ونستله ويونيليفر ودايملر).

وهذا الاستنتاج يبدو موضع شكٍ كبير. فمن المؤكد أن المديرين التنفيذيين الأوروبيين لشركة تويوتا فخورين بكونهم جزءاً من الشركة ومعجبين أشد الإعجاب بإنتاجها وأساليبها الإنتاجية. ولكنني وجدت أيضاً بعض مشاكل الثقة والتواصل. ففي حين تقلد عدد من الأوروبيين اسمياً مناصب عليا في شركة تويوتا أوروبا، فإن تويوتا اليابان كانت تعين دوماً مواطنينيابانيين يراقبونهم كظلهم. ولقد أدى هذا إلى حمل واحد على الأقل من أكبر المديرين التنفيذيين الأوروبيين على ترك الشركة.

ورغم أن تويوتا تزعم أنها شركة "عالمية" فإن مجلس إدارتها ياباني بالكامل.

ولقد شعر المديرون التنفيذيون لشركة تويوتا أوروبا أن جعل الإنجليزية لغة العمل في الشركة من شأنه أن يساهم في تحسين الثقة، والاتصالات، والكفاءة، وأيضاً في تكوين هيئة عاملين عالية الكفاءة. ولكن إدارة تويوتا اليابانية رفضت هذا الاقتراح جملة وتفصيلاً.

إذا كانت تويوتا وغيرها من الشركات اليابانية تريد أن تكون عالمية حقاً، فلابد وأن يتعلم مديروها التواصل الفعّال مع كل شركاءهم الأجانب. لقد أصبحت الإنجليزية لغة العمل في هذا العصر العالمي. وفي اختبار دولي حديث لكفاءة استخدام اللغة الإنجليزية احتلت اليابان المركز 136، وهي مرتبة متأخرة كثيراً عن كوريا الجنوبية،على سبيل المثال، التي احتلت المركز 89، بل وحتى كوريا الشمالية التي احتلت المركز 111. وفي حين استخدم الصحافيون في كوريا الجنوبية دراسة المسح هذه للمطالبة بالإصلاحات من أجل تحسين تعليم اللغة الإنجليزية في مدارسهم، فإن نفس الدراسة لم تلق أي تغطية إعلامية في اليابان.

إن قضية اللغة تتجاوز مسألة المنافسة مع البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية ـ بل وتذهب إلى ما هو أبعد من مجال الأعمال التجارية. فالإنجليزية على سبيل المثال هي اللغة الرسمية لبلدان رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ـ والتي يصل تعداد شعوبها 600 مليون نسمة من جيران اليابان.

ومن المؤكد أن كبار مديري شركة تويوتا سوف يجدون أن اللغة الإنجليزية مفيدة، ليس فقط في تفسير سحب الشركة لثمانية مليون سيارة والاعتذار عنه، بل وأيضاً في الإنصات والتعلم في إطار محاولاتهم الرامية إلى علاج تآكل الثقة بين عملائهم. وإذا تسنى حل مشكلة التواصل التي تعاني منها تويوتا، فليس هناك ما يمنعها من استعادة مكانتها. ويصدق نفس القول على الاقتصاد الياباني ككل.

https://prosyn.org/FZMo2LJar