pistor25_Arne Immanuel Bänschpicture alliance via Getty Images_europeancourtofjustice Arne Immanuel Bänsch/picture alliance via Getty Images

محكمة الاتحاد الأوروبي تقامر بسيادة القانون

نيويورك ــ كان الاتحاد الأوروبي وحكومتا دولتين من أعضائه، المجر وبولندا، على مسار اصطدام لسنوات الآن. يدور الخلاف الأوسع حول ما قد يفعله الاتحاد الأوروبي، إن كان ليفعل أي شيء، عندما يبدأ أحد الأعضاء يتراجع عن التزاماته بمبدأ أساسي مثل حكم القانون. كانت الأطراف على خلاف حول ما إذا كان بوسع الاتحاد الأوروبي أن يحجب الأموال على هذا الأساس. والآن، قضت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي بأنه يجوز له أن يفعل ذلك.

لكن على الرغم من الترحيب الذي حظي به الحكم باعتباره نصرا كبيرا لسيادة القانون، فقد يتبين في النهاية أنه انتصار أجوف. فبدلا من اتخاذ موقف يستند إلى المبادئ، لاحقت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي الأطراف إلى تحليل نصي ضيق وشكلي تجنب معالجة جوهر القضية.

في عام 2020، وافقت بلدان الاتحاد الأوروبي على ميزانية طويلة الأجل بقيمة 2.1 تريليون دولار وخطة للتعافي تضمنت شرطا يلزم كل المتلقين للأموال بالامتثال لحكم القانون. ثم هددت الحكومتان المجرية والبولندية باستخدام حق النقض ضد الميزانية بأكملها ما لم تُـحـذَف المشروطية. في النهاية، توصل الأطراف إلى حل وسط: سيستمر العمل بالميزانية، لكن شرط حكم القانون لن يُـنَـفَّـذ إلا بعد مراجعته وإقراره من قِـبَـل محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي.

أوفت الحكومتان المجرية والبولندية بوعدهما بالطعن في ذلك التنظيم. لم تنازع الحكومتان حقيقة أن النظام القانوني المعمول به في الاتحاد الأوروبي يقوم على مبادئ معيارية أساسية، بما في ذلك سيادة القانون، لكنهما أصرتا على أن هناك وسيلة واحدة فقط لمراقبة امتثال البلدان الأعضاء، والتي تتمثل في المادة السابعة من معاهدة الاتحاد الأوروبي. يخول هذا النص مجلس الاتحاد الأوروبي (الذي يتألف من رؤساء البلدان الأعضاء أو رؤساء حكوماتها) فرض العقوبات ــ مثل تعليق حقوق التصويت ــ على أي بلد عضو يثبت أنه انتهك قواعد الاتحاد الأوروبي.

من الحقائق الحاسمة هنا أن المجلس من غير الممكن أن يتصرف إلا إذا كان اقتراح التحقيق في الانتهاكات مقدما من قَـبَـل ثلث بلدان الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين أو من جانب المفوضية الأوروبية بموافقة البرلمان الأوروبي. يتعين على المجلس بعد ذلك أن يثبت "بالإجماع" (باستثناء البلد المتهم) وجود "خرق جسيم ومستمر"، وبموجب ذلك يصبح بوسعه الشروع في فرض العقوبات، في انتظار موافقة الأغلبية المؤهلة.

بدأ تنفيذ هذا الإجراء مرتين فقط، ضد بولندا في عام 2017 وضد المجر في عام 2018. ولم تتقدم أي من القضيتين إلى ما بعد جلسات الاستماع. ونظرا للعقبات الإجرائية، ليس من الصعب أن نرى السبب. الواقع أن المادة السابعة أقرب إلى سيف ثلم من كونها خيارا نوويا. تصر كل من الحكومتين على أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع أن يفعل أي شيء آخر في إطار المعاهدة، وأن أي تعديل سيواجه بحق النقض بطبيعة الحال.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

من حيث المبدأ، لا حرج في الطعن في محتوى ومعنى حكم القانون، وهو ما وصفه الفيلسوف القانوني جيريمي والدرون على انه مفهوم "مُـخـتَـلَـف عليه في الأساس". لكن والدرون يرسم خطا بين الطعن في المعنى المقصود من مثال أعلى مشترك والترويج لـ"التقيد الزائف بحرفية الشرعية" في محاولة الاكتساب "شرعية زائفة" لصالح تحرك سياسي بحت.

الواقع أن "التقيد الزائف بحرفية الشرعية" وصف ملائم تماما للاستراتيجية القانونية التي تنتهجها الحكومتان المجرية والبولندية. لقد أوضحت كل منهما بجلاء أنها ترفض سيادة القانون كمبدأ أساسي مشترك في قانون الاتحاد الأوروبي. وهما تزعمان أن معنى سيادة القانون يجب أن يُـتـرَك بدلا من ذلك للتقاليد الدستورية والظروف في كل بلد عضو على حِـدة. من خلال استعراض استعدادهما لفرض قدر غير عادي من المشقة على مواطني الاتحاد الأوروبي (باستخدام حق النقض ضد الميزانية وصندوق التعافي من الجائحة)، أظهرتا أنهما لا تطعنان في معنى سيادة القانون، بل في المبدأ ذاته.

من المؤسف أن الحكومتين، على الرغم من خسارتهما لقضيتهما، فازتا في ما يتصل بالاستراتيجية القانونية. لقد بذلت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي قصارى جهدها لتظهر أن الشروط الجديدة مرتبطة بالإدارة السليمة للميزانية؛ وأنها ليست عقابية؛ وأن سيادة القانون تلعب دورا في حماية "مصالح الاتحاد الأوروبي المالية". أشارت المحكمة أيضا إلى وجوب رفع الشروط "عندما يتوقف التأثير على تنفيذ الميزانية، حتى على الرغم من احتمال استمرار الانتهاكات لمبادئ سيادة القانون" (هذا التأكيد من جانبي).

ليس من الصعب تخمين الخطوة التالية التي قد تتخذها الحكومتان البولندية والمجرية. ستقومان بتنظيف قواعد تنفيذ الميزانية والرقابة ــ ربما عن طريق إنشاء محكمة خاصة "مستقلة" لشؤون الميزانية ــ ثم تتحديان اللجنة لرفع الشروط، في حين تستمر كل منهما في إحباط سيادة القانون في جوانب أخرى.

من خلال الرد على التقيد الزائف بحرفية الشرعية بتطبيق الشرعية الـنَـصّـية، مهدت المحكمة الساحة لجولة أخرى من المصارعة اليابانية القانونية. وهذه ليست استراتيجية جيدة لحماية سيادة القانون. بل إنها بدلا من ذلك ربما تؤدي إلى تعميق الاستخفاف المتشائم العام بشأن هذه القضية.

رغم كل هذا، ربما يكون الدرس الأعظم أهمية المستفاد من هذه القضية هو أن سيادة القانون من غير الممكن الدفاع عنها في جدول القضايا فحسب. ففي غياب إجماع أساسي بين الأطراف المتنازعة على أن سيادة القانون هدف أسمى مشترك يستحق النضال من أجله، تُـصبِح سيادة القانون بلا معنى.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/dk1TIBNar