jo3712c.jpg

تغير المناخ والمتصنعون

كوبنهاجن ـ من بين أغرب أحداث الحوار الدائر بشأن تغير المناخ ذلك المشهد الذي جمع في وقت سابق من هذا الشهر بين عالم المناخ جيم هانسن من وكالة ناسا للفضاء وممثلة هوليود داريل هانا وهما يسيران جنباً إلى جنب خارج محطة توليد الطاقة العاملة بالفحم والتي تخدم مبنى الكونجرس الأميركي في العاصمة واشنطن.

وَعَد هانسن بالاستمرار حتى النهاية فيما أطلق عليه أضخم مظاهرة احتجاج على مستوى العالم ضد تغير المناخ. ولكن بدلاً من ذلك هَـبَّت أسوأ عاصفة ثلجية منذ ثلاثة أعوام فتفرقت الحشود، وعجز الضيوف البارزين عن الوصول، وتعرقلت محاولات استخدام الألواح الشمسية لإضاءة لافتة الاحتجاج الضخمة. وتذكر التقارير أن أفراد الشرطة أعلنوا على الجماهير الحاضرة أنهم لا يرغبون في إلقاء القبض على كل من لا يرغب في إلقاء القبض عليه، وبالطبع لم يُـقبَض على أحد.

بيد أن كل هذا لم يمنع المحتجين من الإعلان عن نجاح الحدث. "النصر: هذا هو السبيل إلى وقف الانحباس الحراري العالمي"، هكذا أعلن موقع "الكابيتول للعمل المناخي" ( Capitol Climate Action ) على شبكة الإنترنت. والحقيقة أن المتحدث باسم مجلس النواب الأميركي، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، وجها الدعوة إلى المهندس المسؤول عن مبنى الكونجرس بالتوقف عن استخدام الفحم لتشغيل محطة الطاقة التابعة للكونجرس (ولو أن ذلك لم يحدث إلا قبل أيام من مظاهرة الاحتجاج). ولكن إذا كان وقف الانحباس الحراري العالمي بهذه السهولة، فلسوف أكون ـ أنا وكل معارفي ـ أول من يسارع إلى تجهيز اللافتات للجولة التالية من الاحتجاج.

إن هانسن يطلق على محطات توليد الطاقة باستخدام الفحم "مصانع الموت"، والحقيقة أن الاعتقاد بأن الفحم وسيلة سيئة للغاية لتوليد الطاقة أمر منتشر على نطاق واسع. ولكن من الواضح أيضاً أنه اعتقاد خاطئ. فإذا ما امتنعنا غداً عن استخدام الفحم تماماً، فلسوف نكتشف أنه ما يزال يشكل مصدراً حيوياً للحياة. إن الفحم يستخدم لتوليد ما يقرب من نصف احتياجات كوكب الأرض من الطاقة الكهربية، بما في ذلك نصف الطاقة المستهلكة في الولايات المتحدة. فالفحم يعمل على تزويد المستشفيات ومرافق البنية الأساسية بالطاقة اللازمة لتشغيلها، ويزودنا بالدفء والإضاءة في فصل الشتاء، ويتيح لنا تشغيل تقنيات تكييف الهواء المنقذة للحياة في فصل الصيف. وفي الصين والهند، حيث يستخدم الفحم لتوليد ما يقرب من 80% من الطاقة، فقد ساعد في انتشال مئات الملايين من البشر من براثن الفقر.

ليس من العجيب إذن أن يصف وزير الطاقة في الولايات المتحدة ستيفن تشو الفحم بأنه "مصدر طبيعي عظيم"، رغم أنه منذ عامين فقط كان يصف التوسع في إنشاء محطات الطاقة العاملة بالفحم بأنه "أسوأ كوابيسه".

إن السؤال الجوهري هنا هو كالتالي: ماذا قد يحل محل الفحم إذا ما توقفنا عن استخدامه؟ إذا ما حكمنا على الأمر من خلال هتافات المحتجين في واشنطن "لا للفحم، ولا للغاز، ولا للقنابل النووية، ولا للهراء، ولا للوقود الحيوي"، فإننا بهذا نستبعد العديد من البدائل المعقولة.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

لا شك أن استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أمر مقبول، ولكن هذين المصدرين لا يمكن الاعتماد عليهما كما يُـعتَمَد على الفحم. إن حوالي 0,5% فقط من طاقة العالم تأتي من مثل هذه المصادر المتجددة. وحتى مع الافتراضات المتفائلة فإن تقديرات الهيئة الدولية للطاقة تؤكد أن نصيب هذه المصادر المتجددة سوف يرتفع إلى 2,8% بحلول عام 2030.

من بين الأسباب وراء ذلك أننا لا نعرف كيف نخزن الطاقة من هذه المصادر: فحين لا تهب الرياح ولا تشرق الشمس فكيف سيتسنى لك أن تشغل حاسبك الآلي أو غرفة العمليات في مستشفى؟

فضلاً عن ذلك فإن مصادر الطاقة المتجددة ما زالت مكلفة للغاية. مؤخراً، زعم نائب رئيس الولايات المتحدة الأسبق آل غور والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن الوظائف التي تتيحها صناعة طاقة الرياح الآن أكثر من كل الوظائف المتاحة في صناعة طاقة الفحم. بصرف النظر عن عدم دقة الأرقام فهي ما زالت تشكل حجة ضدهما وليس لصالحهما. إن الولايات المتحدة تحصل على 50% من احتياجاتها من الطاقة الكهربية من الفحم، ولكن الرياح توفر لها 0،5% فقط من احتياجاتها. وإذا كان تشغيل طاقة الرياح يتطلب نفس قوة العمل اللازمة لتشغيل طاقة الفحم فلا شك أن إنتاج الطاقة من الرياح أمر مكلف إلى حد لم يسبق له مثيل في التاريخ.

إن ما يعادل أكثر من 60 مليون برميل من النفط يستهلك من الفحم في كل يوم، ولا يوجد له بديل آخر "رحيم بالبيئة". ذلك أن المتاح من الفحم وفير بحيث يكفي احتياجات العالم من الطاقة لعدة قرون من الزمان. ويتعين علينا أن نتقبل حقيقة مفادها أن القدر الأعظم من الفحم الرخيص المتاح في العالم سوف يُـحرَق في المستقبل ـ ولكن ينبغي لنا أن نركز على تقنيات حبس ثاني أكسيد الكربون. بموجب الاتفاقيات التي أعلنت عنها إدارة أوباما فإن الولايات المتحدة تعمل مع الصين وكندا الآن في تنفيذ مشاريع خاصة بتنمية وتطوير هذه التكنولوجيا.

إن آخر معاقل الوقود الأحفوري سوف تسقط حين نتمكن من توفير البدائل الرخيصة، وخاصة في البلدان النامية. وقد يكون ذلك اليوم أكثر قرباً إذا ما أنفقت الحكومات المزيد من الأموال على أبحاث الطاقة المنتجة لكميات ضئيلة من الكربون، والتي تعاني من نقص شديد في التمويل. يتعين على كل دولة أن تلتزم بإنفاق 0.05% من ناتجها المحلي الإجمالي في استكشاف تقنيات الطاقة غير المنتجة للكربون. وهذا سوف يكلف العالم حوالي 25 مليار دولار أميركي سنوياً ـ مما يعني زيادة مقدارها عشرة أضعاف في التمويل العالمي ـ ومن شأنه أن يوفر الزخم اللازم للعودة إلى الحلم الذي يتمثل في عالم يستهلك سكانه كميات منخفضة من الكربون ويتمتعون بدخول عالية.

إن الفحم يسهم بشدة في تفاقم ظاهرة الانحباس الحراري العالمي، ولكن لا يمكن لأي قدر من استعراضات المسرح السياسي أن يغير الحقيقة الثابتة التي تؤكد أن الفحم أيضاً يعود علينا بفوائد لا نستطيع حتى الآن أن نحصل عليها باستخدام الطاقة المتجددة. إن المشاركة في الاحتجاجات مع نجوم هوليود مجرد لهو لا أكثر. ولا شك أن إعلان الانتصار الحقيقي على ظاهرة الانحباس الحراري سوف يتطلب قدراً أعظم من النهج العملي والكثير من العمل.

https://prosyn.org/hMAZcrpar