96cb560046f86fa80b1ba003_sa1572.jpg

هل نستطيع أن نحكم الطاقة؟

إن الطاقة تحتل مركز القلب بين التحديات العالمية الأشد إلحاحاً. ورغم ذلك فإن كل ما يتعلق بالطاقة يُدار بشكل بالغ السوء على المستويين العالمي والوطني. وكان الفشل الذريع الذي انتهت إليه قمة كوبنهاجن للمناخ مجرد توضيح لمدى ابتعاد العالم عن امتلاك القدرة على إحداث التحول المطلوب بشِدة من أجل إيجاد النظام اللازم لتوفير خدمات الطاقة المستدامة الآمنة.

إن الدور الرئيسي الذي تلعبه الطاقة في المشاكل العالمية واضح إلى حد كبير. فمن الممكن أن نُرجِع ثلثي الانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الانحباس الحراري العالمي إلى استخدام الوقود الأحفوري. ولقد أثار التباري المتجدد في البحث عن النفط المخاوف من ظهور جيل جديد من الصراعات الجغرافية السياسية. إن عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي يرتبط ارتباطاً قوياً بتقلب أسعار الطاقة. والواقع أن تحديد مدى نجاح التنمية الاقتصادية يعتمد في قسم كبير منه على النجاح في التغلب على فقر الطاقة، إلا أن 1,6 مليار إنسان ما زالوا يفتقرون إلى أبسط خدمات الطاقة الأساسية.

ومؤخراً فقط بات من الواضح أن هذه القضايا المتفاوتة ظاهرياً تشكل مظهراً جمعياً لنظام الطاقة المختل. وحتى الآن ما زالت الطاقة تُصَوَّر وتُدار على المستويين العالمي والوطني من حيث مصادر الطاقة، وليس من حيث خدمات الطاقة التي توفرها تلك المصادر. غير أن مستهلكي خدمات الطاقة لا يبدون اهتماماً خاصاً بمعرفة أي من مصادر الطاقة تغذي إنتاجهم، أو وسائل نقلهم، أو إضاءتهم، أو تدفئتهم، أو تكييف هواءهم، أو تشغيل أجهزتهم المنزلية. ويعمل النموذج القائم على تحويل مسألة اتخاذ القرار إلى عملية جامدة في وقت حيث أصبحت المرونة غير العادية والتغير السريع من الضرورات الأساسية.

وعلى الصعيد العالمي، هناك مجموعة من المنظمات الدولية المكلفة بالتعامل مع قطع عديدة من أحجية الطاقة. وأبرز هذه المنظمات وكالة الطاقة الدولية . والواقع أن هذه الوكالة، التي تأسست بواسطة البلدان المستهلكة للنفط في سبعينيات القرن العشرين في استجابة لصدمات الأسعار الناتجة عن قرارات منظمة الدول المصدرة للبترول (الأوبك) والحظر الذي فرضته البلدان العربية المصدرة للنفط، نجحت في تأسيس نظام لتكوين احتياطيات وطنية من النفط والإشراف عليها، الأمر الذي ساعد في منع تكرار ذلك النوع من الصدمات. وبالاستعانة بهيئة عاملين صغيرة ولكنها على درجة عالية من الكفاءة المهنية، تحولت وكالة الطاقة الدولية أيضاً إلى مصدر أساسي لإحصائيات الطاقة العالمية، هذا فضلاً عن الدور الرئيسي الذي تلعبه في النقاش حول المناخ.

ولكنها في الحقيقة لم تقترب من مكانة المنظمة الدولية الحقيقة التي يوحي بها اسمها. فقد تأسست وكالة الطاقة الدولية بواسطة ومن أجل عدد ضئيل من البلدان الغنية المستوردة للنفط، تحت رعاية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وما زالت عضوية هذه الوكالة مقتصرة على بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، رغم أن الطلب المتزايد من قِبَل بلدان غير أعضاء، مثل الصين والهند، يعمل بسرعة على تقويض قدرة وكالة الطاقة الدولية على التحدث باسم البلدان المستوردة للنفط كمجموعة وعلى تنسيق الاستجابات فيما بينها. ورغم توسع تفويض وكالة الطاقة الدولية إلى ما هو أبعد من النفط منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين لكي يشتمل على سياسات الطاقة المتوسعة، فإن العديد من حكومات البلدان الأعضاء في الوكالة، تحت قيادة ألمانيا، وجدت أن سجل الوكالة ليس مُرضياً على الإطلاق في مجال الطاقة المتجددة إلى الحد الذي دفعها مؤخراً إلى تأسيس الوكالة الدولية للطاقة المتجددة ( IRENA )، والتي تفتح أبواب عضويتها لكل البلدان.

وهناك منظمات دولية أخرى تواجه قيوداً خاصة بها. على سبيل المثال، كان من المفترض في المنتدى الدولي للطاقة، والذي انبثق عن سلسلة من الاجتماعات بين وزراء الطاقة، أن يعمل كمنبر مشترك لمنتجي الوقود الأحفوري ومستهلكيه. ولقد اتخذ المنتدى بعض الخطوات المفيدة التي قد تساعد في تثبيت استقرار الأسواق، مثل مبادرة قاعدة بيانات النفط المشتركة، ولكنه يلعب دوراً صغيراً نسبياً. كما فشلت معاهدة ميثاق الطاقة في إدماج روسيا في إطار عمل تحكمه قواعد واضحة فيما يتصل بالمرور الدولي عبر خطوط أنابيب النفط والغاز. وما زال القسم الأعظم من تمويل البنك الدولي لمشاريع الطاقة مخصصاً للوقود الأحفوري، على الرغم من الجهود المحدودة الرامية إلى إنشاء صندوق لتمويل الطاقة المنخفضة الكربون.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

ولقد ظهر عدد كبير من الشبكات والشراكات في استجابة للثغرات التي نشأت في نظام حوكمة الطاقة العالمية. على سبيل المثال، نمت شراكة الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، والتي تأسست في المملكة المتحدة، لكي تتحول إلى هيئة متعددة الأطراف تختص بدعم الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في العديد من البلدان. ولكن مثل هذه المبادرات ظلت صغيرة حتى الآن، ولن تتمكن في المستقبل المنظور من العمل على نطاق يسمح لها بتعزيز التحول السريع بعيداً عن الوقود الأحفوري أو تقديم خدمات الطاقة للبلايين من المستهلكين الجدد.

وكما هي الحال بالنسبة للعديد من المشاكل العالمية الأخرى، فإن الكثير يتوقف على قدرة واستعداد أقوى الحكومات الوطنية فيما يتصل بإيجاد سبل تعزيز العمل الجماعي التعاوني. غير أن الأنظمة المعيبة التي تتبناها الحكومات الوطنية في هذه البلدان في إدارة الطاقة من شأنها أن تجعل من العمل التعاوني أمراً أشد صعوبة.

والواقع أن الوضع يزداد سوءاً من العديد من النواحي. فعلى مدى العقدين الماضيين، ظل دعاة الخصخصة يعدون بقدر أعظم من الكفاءة وأسعار طاقة أقل، ولكن الفشل في المزاوجة بين الخصخصة وسبل التنظيم والتنفيذ اللائقة كان سبباً في معاناة العديد من البلدان من الحوكمة الهزيلة والفساد المستشري في قطاعات الطاقة المختلفة.

فضلاً عن ذلك، ونظراً للأرباح الهائلة المتاحة في ظل النظام الحالي، فإن النضال من أجل إحداث تحول ملموس في مجال الطاقة يواجه مقاومة شديدة من قِبَل مصالح خاصة راسخة. ومن الواضح أن قوى السوق وحدها عاجزة عن التغلب على عوامل خارجية رئيسية مثل الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي، في ظل السيطرة الحكومية التامة على مصادر الطاقة الرئيسية مثل النفط، فضلاً عن الأعداد الهائلة من الناس الأكثر فقراً من أن يتمكنوا من تشكيل سوق قوية .

إن مشهد حوكمة الطاقة المهدم على المستوى العالمي لم يكن مخططاً له. فقد نشأ متفرقاً، وفي ظل قدر ضئيل من التنسيق بين أجزائه المختلفة. وإن كان لنا أن ننجح في تجنب الثمن الباهظ الذي قد يترتب على النقائص التي تعيب ذلك النظام اقتصادياً واستراتيجياً وبيئياً فلابد لنا من وضع وفرض قواعد متفق عليها دولياً في التعامل مع الطاقة.

https://prosyn.org/pcKPwmWar