Tiananmen Square China_Markus Spiering_Flickr Markus Spiering/Flickr

آسيا الصينية؟

كليرمونت ــ إن التمييز بين الخطاب الدبلوماسي والسياسة الرسمية ليس بالأمر السهل على الإطلاق. ولكنه أمر بالغ الصعوبة بشكل خاص في الصين، حيث تفشل أفعال الحكومة غالباً في مضاهاة تصريحاتها. ولهذا فمن الجدير بنا أن نتساءل ما إذا كان أحدث شعار تبناه المسؤولون الصينيون ــ "آسيا للآسيويين" ــ مجرد موقف قومي للاستهلاك المحلي أو هو بالفعل إشارة إلى تحول سياسي حقيقي.

كانت الإشارة الأكثر رسمية لشعار "آسيا للآسيويين" في مايو/أيار، خلال الكلمة الرئيسية التي ألقاها الرئيس شي جين بينج في مؤتمر "التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا". ففي بيان صيغ بعناية، عَرَض شي جين بينج بالتفصيل رؤية الصين لنظام أمني إقليمي جديد ــ نظام يجعل الآسيويين في مركز القيادة، كما يوحي الشعار.

ووفقاً لشي جين بينج فإن "إدارة شؤون آسيا، وحل مشاكل آسيا، والحفاظ على أمن آسيا، كل هذا يرجع إلى شعوب آسيا". وأضاف أنه من حسن الحظ أن شعوب آسيا تمتلك "القدرة والحكمة" لبناء السلام والأمن في المنطقة من خلال التعاون.

وبطبيعة الحال، تستلزم هذه الرؤية إجراء مراجعة شاملة لبنية الأمن الآسيوي، مع تقليص دور الولايات المتحدة بشكل كبير. والواقع أن شي انتقد ضمناً البنية الأمنية القائمة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة في آسيا، فوصفها بأنها عالقة في فِكر الحرب الباردة، كما انتقد "التحالف العسكري الموجه نحو طرف ثالث" باعتباره "لن يفضي إلى صيانة الأمن المشترك". ومنذ ألقى شي ذلك الخطاب، حرص مسؤولون صينيون على مستوى أقل ومعهم وسائل الإعلام الصينية على تكرار تصريحات مماثلة.

للوهلة الأولى، تبدو هذه الرؤية معقولة تماما؛ ذلك أن أغلب الدول تفضل إدارة الشؤون المحلية والإقليمية من دون تدخل من قوى خارجية. ولكن تصريح شي كان علامة على اختلاف كبير عن موقف الصين الذي دام لفترة طويلة إزاء الوجود الأميركي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

فمنذ التقارب بين الولايات المتحدة والصين قبل أربعة عقود من الزمان، حافظت الصين على غموض مدروس بشأن دور الولايات المتحدة بوصفها ضامناً لأمن آسيا. فقد أدرك قادة آسيا العمليين أنهم يفتقرون إلى القوة الكافية لتحدي النظام الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة أو تقديم بديل ممكن.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

ولكن لعل هذا الموقف بدأ يتغير الآن. فبرغم أن بعض المحللين لا زالوا على اقتناع بأن مقولة شي "آسيا للآسيويين" ليست سوى محاولة فارغة لتعزيز موقفه القومي، فمن الممكن أن يسوق البعض حجة أقوى مفادها أن هذه المقولة تدلل على تحول سياسي حقيقي. ورغم أن الحجة ليست دامغة، فلا يجوز استبعادها تماما.

الواقع أن الدليل الأكثر إفحاماً على استعداد شي لتحدي النظام القائم يكمن في المجال الاقتصادي. فقد أنشأت الصين مؤسسات جديدة للتنمية، مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية وصندوق طريق الحرير الجديد، والتي تعتزم توجيه العشرات من المليارات من الدولارات إليها ــ وهذا يشكل تحدياً واضحاً للمؤسسات المتعددة الأطراف التي يهيمن عليها الغرب.

ولكن على الجبهة الأمنية، حققت الصين تقدماً أقل كثيراً على مسار تحويل رؤية "آسيا للآسيويين" إلى واقع ملموس. لا شك أنها اكتسبت بعض القدرات العسكرية لردع الولايات المتحدة عن التدخل في مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي، كما نجحت في تحسين تعاونها الأمني مع روسيا وبلدان آسيا الوسطى من خلال منظمة شنغهاي للتعاون. ولكن هذه المكاسب المتواضعة تقابلها الانتكاسات الأمنية التي عانت منها الصين نتيجة لعدوانيتها في التعامل مع النزاعات الإقليمية.

الواقع أن العلاقات بين الصين واليابان بلغت أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد عدة أشهر من تحركات عسكرية متزايدة القوة ــ وأبرزها الإعلان من جانب واحد عن منطقة تحديد الهوية للدفاع الجوي والتي تغطي رقعة واسعة من بحر الصين الجنوبي، بما في ذلك مناطق متنازع عليها. وكانت بلدان جنوب شرق آسيا تناشد الولايات المتحدة أن تستبقي قواتها في المنطقة كثِقَل موازن للصين.

وربما يكمن وراء مقولة "آسيا للآسيويين" اعتقاد الصين بأن الولايات المتحدة، وليس سلوكها، هي المسؤولة عن تحدي جيرانها لها. ويعتقد بعض الاستراتيجيين الصينيين أن الولايات المتحدة تستخدم الدول الآسيوية، وخاصة اليابان وفيتنام والفلبين، كبيادق على رقعة شطرنج بغرض احتواء الصين. وإذا ساد هذا المنظور في المناقشة السياسية الداخلية، فإن قادة الصين، بما فيهم شي، ربما توصلوا إلى استنتاج مشؤوم مفاده أن الوجود الأمني الأميركي في آسيا يهدد مصالح الصين بشكل مباشر ولابد من إزالته.

لا شك أن هذا سيكون خطأً استراتيجياً جسيما، استناداً إلى قراءة خاطئة لديناميكيات الأمن الآسيوي. إن أغلب الدول المجاورة للصين، وحتى كوريا الشمالية، تخشى الهيمنة الصينية غير المقيدة ــ وإذا أزيل الوجود الأمني الأميركي، فهذا هو على وجه التحديد ما قد يجدون أنفسهم في مواجهته. وسوف يتحول شعار "آسيا للآسيويين" إلى آسيا للصينيين".

من الصعب أن نتصور أن صناع السياسات الصينيين، المعروفين بثقافتهم الرفيعة وواقعيتهم، قد يلاحقون استراتيجية من غير المرجح أن تكتسب دعم الآسيويين، بل ومن المضمون أيضاً أن تشعل شرارة صراع مع الولايات المتحدة. ولهذا، فمن المرجح ــ والمرغوب ــ أن تظل رؤية "آسيا للآسيويين" مجرد شعار. والواقع أن شي اتجه في الآونة الأخيرة إلى خفض نبرته في وصف أهداف الصين، فقال لقادة الحزب الشيوعي مؤخرا: "يتعين علينا أن نزيد من قوة الصين الناعمة، وأن نقدم سرداً صينياً جذاباً وننقل رسالة الصين إلى العالم بشكل أفضل".

ولكن حتى باعتبارها وصفاً بلاغياً فإن عبارة "آسيا للآسيويين" إشكالية لأسباب تاريخية. ففي ثلاثينيات القرن العشرين، استخدم العسكريون اليابانيون فكرة "مجال الرخاء المشترك لشرق آسيا" كغطاء لطموحاتهم وغزواتهم الإمبراطورية. وكان الشعار محل سخرية واسعة النطاق، وخاصة في الصين، بسبب سخافته الواضحة.

وقد يساعد هذا في تفسير الاستقبال الفاتر الذي حظي به شعار "آسيا للآسيويين" هذه المرة. والتصرف الأكثر ذكاءً من قِبَل قادة الصين الآن هو أن يسقطوه إلى الأبد.

ترجمة: أمين علي          Translated by: Amin Ali

https://prosyn.org/CQbVJ0Par