أما زال المستثمرون الأجانب موضع ترحيب؟

أثناء العقدين الأخيرين ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر حتى بلغت عنان السماء، حيث قفزت من أربعين مليار دولار أميركي في أوائل ثمانينيات القرن العشرين إلى تسعمائة مليار دولار أميركي خلال العام الماضي. ولقد بلغ المخزون من الاستثمار الأجنبي المباشر ما يقرب من عشرة تريليون دولار أميركي، ليصبح بذلك أكثر الآليات أهمية لتسليم السلع والخدمات إلى الأسواق الأجنبية: حيث بلغت مبيعات الشركات الأجنبية التابعة في الإجمال حوالي تسعة عشر تريليون دولار أميركي، مقارنة بصادرات العالم التي بلغت أحد عشر تريليون دولار أميركي. وفي ذات الوقت فإن تحرير أنظمة الاستثمار الأجنبي المباشر من قِـبَل كافة الدول تقريباً كان بمثابة القوة الدافعة للتجارة فيما بين الشركات ـ وهو ما يمثل شريان الحياة بالنسبة لنظام الإنتاج الدولي المتكامل الناشئ، كما يشكل بالفعل ما يقرب من ثلث التجارة العالمية. ولكن هل اقتربت الأوقات الطيبة من نهايتها؟

إن الاستثمار الأجنبي المباشر قادر على جلب نطاق عريض من الفوائد، إلا أن الأمر بطبيعة الحال لا يخلو من التكاليف. فأثناء سبعينيات القرن العشرين، حين لفتت الشركات الدولية التي أخذت على عاتقها تنفيذ هذا النوع من الاستثمار أنظار عامة الناس، تصورت العديد من الحكومات أن التكاليف المترتبة على الاستثمار الأجنبي المباشر تفوق الفوائد المتحصلة منه، وعلى ذلك فقد بادرت تلك الحكومات إلى فرض رقابتها وسيطرتها على الاستثمار الأجنبي المباشر. وبزعامة الدول المتقدمة بدأ العمل في ذلك المجال يكتسب قدراً كبيراً من النشاط والحيوية أثناء الثمانينيات. وبعد أن كان الاستثمار الأجنبي المباشر يُـنْـظَر إليه باعتباره جزءاً من المشكلة، تحول إلى جزء من الحل لمشاكل النمو الاقتصادي والتنمية.

ولا شيء أكثر تجسيداً لهذا الأمر من التغييرات التي طرأت على أنظمة الاستثمار الأجنبي المباشر الوطنية. وطبقاً للتقارير الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، فمن بين التغييرات التي حدثت في الفترة ما بين عامي 1991 و2004، والتي بلغ عددها 2156 تغييراً، فإن 93% منها كانت في اتجاه خلق بيئة أكثر ملائمة للشركات الدولية. ولكن ثمة خطر حقيقي يكمن في احتمالات تراجع هذا النشاط، الأمر الذي سوف يؤدي إلى ارتداد عملية التحرير تلك نحو الاتجاه المضاد.

https://prosyn.org/I9Zece0ar