79f8aa0046f86fa80bf35504_pa2905c.jpg

اتفاق جديد ممكن من أجل تغير المناخ

كوبنهاجن ـ انظروا إلى وجوه زعماء زمننا هذا. سوف ترون على وجوههم ونظراتهم العابسة كل دلائل الأوقات العصيبة التي نعيشها. إن المسؤولية تصبح عبئاً ثقيلاً حين يكون الاقتصاد في أزمة وحين يستغنى عن الموظفين والعمال بأعداد ضخمة. ولا أحد يتحمل هذه المسؤولية الثقيلة أكثر من الزعماء السياسيين.

وتبذل الآن جهود متواصلة لإيجاد السبيل إلى الانتعاش، ويظل العمل دائراً في المكاتب الحكومية إلى أوقات متأخرة من الليل. ألا ينبغي إذن لمسألة المناخ أن تنتظر إلى وقت أفضل؟

كلا. إن التأجيل ليس بالخيار المتاح. لقد انتظر العالم بالفعل وقتاً أطول مما ينبغي، والقضية تحتاج إلى اهتمام عاجل. فالآن بعد أن أصبحت العواقب المترتبة على تغير المناخ أكثر وضوحاً، أدرك المزيد من الناس أن المشكلة سوف تصبح أكثر تكلفة كلما طال بنا التردد. وكلما أجَّلنا العمل كلما أصبحت الفاتورة التي نمررها إلى أبنائنا وبناتنا وأحفادنا أضخم.

وفي الوقت نفسه، أصبحنا ندرك أننا كلما عجلنا بالتعامل مع التحدي المتمثل في تغير المناخ كلما تضاءل خطر الفوضى والكوارث: الجفاف، والأعاصير، وارتفاع مستوى سطح البحر، فضلاً عن أعداد هائلة من النازحين والمشردين. وعلى هذا فإن سياسة المناخ تُعَد أيضاً سياسة أمنية. فكلما قللنا من اعتمادنا على الفحم والنفط والغاز، كلما عززنا من استقلال الطاقة، وكلما تقلص خطر اندلاع الحروب والنزاعات على الطاقة والموارد. وهذه مرة أخرى سياسة أمنية.

كلما عجَّل بلد ما ومؤسساته الخاصة بإيجاد تقنيات علمية جديدة إبداعية، فهذا من شأنه أن يعظم من الفرص الاقتصادية لذلك البلد. وكلما كانت مصادر الطاقة التي نبني عليها نمونا نظيفة، كلما أصبح بوسعنا أن نجعل الهواء الذي نتنفسه أنظف. ولا شك أن الطاقة المستدامة والحلول الموفرة للطاقة سوف توفر لنا هواءً أنظف، ومياه أنظف، وبيئة أنظف من أجل أبنائنا.

وعلى هذا فإن التعامل مع تغير المناخ ليس سلوكاً معادياً لأجندة النمو. بل إن الأمر على النقيض من ذلك تماماً، فالتعامل مع مشكلة المناخ يشكل أجندة النمو الوحيدة التي نستطيع الحصول عليها في القرن الحادي والعشرين. والأمر ببساطة أن تلك الدول التي تتعامل مع التحديات التي يفرضها تغير المناخ أولاً وعلى نحو أفضل سوف تجد نفسها وقد أصبحت عند نقطة انطلاق أفضل في تدبير أمورها على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

إن الاعتماد على إمدادات النفط والغاز القادمة من الخارج لم يعد بالحل الأفضل على الإطلاق ـ ليس في الولايات المتحدة، وليس في أوروبا، وليس في أي مكان من العالم. بل يتعين علينا أن نبحث عن الحل القادر على حفز نمو الطاقة النظيفة لتخليص اقتصاد العالم من الاعتماد على مصادر الطاقة الأجنبية. والطريقة الأفضل للقيام بذلك تتلخص في إبرام اتفاقية عالمية بشأن تغير المناخ، على النحو الذي من شأنه أن يوفر ذلك القدر من اليقين الذي يحتاج إليه المستثمرون.

وهنا تجدر بنا الإشارة إلى أن اليابان أظهرت قدرتها الزعامية الحقيقية حين أعلنت عن خفض الانبعاثات بنسبة 25% بحلول عام 2020 مقارنة بمستويات 1990. والصين أيضاً تتحرك بسرعة على نفس الطريق. ففي إطار قمة تغير المناخ التي عقدها الأمين العام للأمم المتحدة في شهر سبتمبر/أيلول، كشفت الصين عن خطط لخفض كثافة اعتمادها على الكربون في اقتصادها، وتوسعة التزامها بالطاقة المتجددة، وخفض انبعاثاتها بحلول عام 2020.

وفي السوق العالمية التي سوف تستمر في النمو في السنوات المقبلة، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع ببساطة أن تتحمل إهدار مثل هذه الفرصة. وإن لم تشارك الولايات المتحدة في العمل الآن، فإن الصين سوف تنفرد بالمزايا المترتبة على كونها المحرك الأول للحلول التي سوف تحل محل الوقود الأحفوري. ومن هذا المنطلق فإن التعامل مع التحدي المتمثل في تغير المناخ يرتبط أيضاً بالزعامة السياسية والاقتصادية في القرن الحادي والعشرين.

وهذا يعني أن "مسألة المناخ" ليس من الممكن أن تنتظر. بل لابد من حلها الآن. ولن تتولى الحكومة الدنمركية التي تستضيف قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ في ديسمبر/كانون الأول تحديد الموعد النهائي. فقد التزمت بلدان العالم بذلك الموعد النهائي منذ عامين في بالي. صحيح أن الاقتصاد العالمي يمر بظروف صعبة، ولكن التحديات الأخرى التي يواجهها العالم لم تصبح أقل حجماً. بل إن مشكلة المناخ تتفاقم مع الوقت، ولن يشكل حلها عقبة أمام جهود إصلاح الاقتصاد.

بل إن الأمر على العكس من ذلك، فالعمل الأخضر مجدي ومجزي ـ سواء الآن أو في المستقبل ـ كما أثبتت الدنمرك. فالأرقام الأخيرة من عام 2008 تبين لنا أن صادرات الدنمرك من تقنيات الطاقة البديلة ارتفعت بنسبة 19% ـ حوالي أربعة أمثال الزيادة في الصادرات العادية.

إن شعوب العالم تنتظر من قادتها أن يتحملوا مسؤولية التوصل إلى اتفاق طموح وعالمي حقاً بشأن المناخ. ولابد وأن يشتمل الاتفاق على أهداف ملزمة لخفض الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي والتي تطلقها بلدان العالم المتقدم. وينبغي لهذا الاتفاق أيضاً أن يضع البلدان المتقدمة الضخمة على مسار أكثر نظافة واخضراراً نحو الازدهار والرخاء. ومن الأهمية بمكان أن يوفر هذا الاتفاق المساعدة للبلدان الضعيفة ـ تلك البلدان الأكثر تضرراً بتغير المناخ. وأخيراً، لابد وأن يجلب الاتفاق أموالاً إضافية إلى الطاولة ـ وهي الأموال التي سيتم تخصيص بعضها لتمويل مشاريع التكيف في البلدان النامية ـ وأن يشتمل على الاتفاق على الكيفية التي نستطيع بها أن نعمل معاً على تقاسم التكنولوجيا والمعرفة.

إن التوصل إلى اتفاق عالمي بشأن تغير المناخ في هذا العام في كوبنهاجن سوف يتطلب قدراً عظيماً من الشجاعة السياسية من الزعماء من مختلف أنحاء العالم. وفي ظل ذلك القدر الهائل من المخاطر التي تلوح في الأفق وتهدد الاقتصاد والأمن القومي في بلدان هؤلاء الزعماء، فإن الأمر يتطلب منهم الارتقاء إلى مستوى مسؤولياتهم الأساسية إزاء مواطنيهم.

https://prosyn.org/pJJTVNQar