gerges9_Paula Bronstein Getty Images_afghanistantaliban Paula Bronstein/Getty Image

الإرهاب وطالبان

لندن- ارتكب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خطأً فادحًا بتسرعه في سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، أو بالأحرى، هذا ما يقوله الكثيرون. فعلى سبيل المثال، وصف زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ الأمريكي، ميتش ماكونيل، استيلاء طالبان السريع على البلاد بأنه "تتمة أسوأ لسقوط سايغون المهين في عام 1975". ويتوقع كبار الجنرالات والمحافظين، بل حتى بعض الليبراليين في الولايات المتحدة، أن تلك التتمة ستتسم بعودة الإرهاب العابر للحدود.

إن هذا التوقع واضح. إذ نظرا لكون طالبان جماعة إسلامية متشددة، فهي حتما ستوفر للقاعدة- وربما لجماعات متطرفة أخرى، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)- ملاذًا للتجنيد، والتدريب، والتخطيط، لشن هجمات على الغرب. ويحذر ماكونيل من أنه بحلول الشهر المقبل، ستحتفل القاعدة وطالبان بالذكرى العشرين للهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر/أيلول 2001، من خلال "إحراق السفارة [الأمريكية] في كابول".

إلا أن هناك خلل في هذا التقييم. فهو يفترض أن هناك علاقة وطيدة بين طالبان والقاعدة. والواقع أنه رغم أن المجموعتين تتشابهان في أيديولوجيتهما الدينية ونظرتهما للعالم، إلا أن أهدافهما تختلف كثيرا.

إن طالبان تهدف إلى إقامة دولة دينية، أو إمارة إسلامية في أفغانستان، لكنها لم تشِر إلى أي طموح للتوسع خارج حدود البلاد. وفي المقابل، لا تملك القاعدة هوية وطنية ولا تعترف بالحدود. فهي حركة ليس لها حدود، ولها فروع في عشرات البلدان في جميع أنحاء العالم، وتسعى لنشر أيديولوجيتها في القريب والبعيد بأي وسيلة، بما في ذلك باستعمال العنف.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن القاعدة أصحبت مجرد ظل لما كانت عليه في السابق. فقد أدت الهجمات الأمريكية التي لا هوادة فيها إلى إضعاف قدرتها على شن هجمات كبيرة ضد أهداف غربية، إما من أفغانستان أو باكستان. وهي الآن تفتقر إلى القدرات العملياتية اللازمة. ومن ناحية أخرى، انتشرت الجهادية العابرة للحدود خارج أفغانستان، في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وإفريقيا، وجنوب آسيا.

وقد يعارض المرء الفكرة القائلة بأن القاعدة يمكنها أن تنشط من جديد في أفغانستان بفضل حصولها على ملاذ من طالبان. ولا ينبغي استبعاد هذا الاحتمال وما يشكله من تهديد أمني على الغرب؛ لكن الجماعة تفتقر، في الوقت الراهن، إلى القيادة الكاريزمية والكوادر الماهرة التي ستحتاج إليها لاستعادة صفوفها وتنشيطها؛ بل لا يبدو واضحا ما إذا كان أيمن الظواهري، زعيم القاعدة الحالي (المسبب للانقسام)، على قيد الحياة.

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions
PS_Sales_Spring_1333x1000_V1

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions

Subscribe now to gain greater access to Project Syndicate – including every commentary and our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – starting at just $49.99.

Subscribe Now

والأهم من ذلك أنه من غير المرجح أن تسمح طالبان للقاعدة بإنشاء قواعد جديدة في البلاد على الفور. إذ في محادثات عُقدت مع إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، شهر فبراير/شباط الماضي، في الدوحة، وعدت الحركة بالكثير، معلنة أنها لن تسمح للقاعدة أو لغيرها من الجماعات المتشددة بأن تنشط في المناطق التي تخضع لسيطرة طالبان.

ولم يكن هذا مجرد استرضاء. فقد كانت طالبان تصف مسار عمل كان- ولا يزال- في مصلحتها. إذ خلال العام الماضي، اعتمدت حركة طالبان "حملة ناعمة" ديبولماسية في حديثها مع أعدائها اللدودين، بمن فيهم أمريكا، وروسيا، وإيران. فهي تريد ترسيخ سيطرتها على أفغانستان والحصول على اعتراف وشرعية دوليين.

ولن يؤدي احتضان القاعدة إلى تحقيق هذه الأهداف. لقد كان هجوم القاعدة على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول 2001، السبب الأول وراء إرسال طالبان إلى المنفى. وتمكنت الحركة من العودة إلى كرسي السلطة، لكن الأمر استغرق 20 عامًا، وهي ليست على استعداد لتخاطر بما استعادته.

إن هذا لا يعني أنه لا يوجد ما يدعو للقلق. إذ رغم أن الانتصار العسكري المذهل لطالبان ينطوي على الانضباط والتماسك، إلا أن الحركة ليست متجانسة سياسياً. وبالأحرى، فهي تضم فصائل وعشائر تتنافس فيما بينها. لذلك، هناك دائمًا احتمال قيام بعض عناصر طالبان بربط علاقات مع القاعدة، والجماعات المتطرفة الأخرى في باكستان.

وهناك سابقة لمثل هذه الحالة. ففي أواخر تسعينيات القرن العشرين، صوتت غالبية أعضاء المجلس الاستشاري لحركة طالبان (هيئتها التنفيذية) على طرد القاعدة وزعيمها آنذاك، أسامة بن لادن، من أفغانستان، استجابة للضغوط الدولية. ومع ذلك، قرر زعيم الحركة، الملا عمر، السماح لبن لادن بالبقاء، مطالبًا إياه بالكف عن شن هجمات من أفغانستان فقط. وكما اتضح للعالم في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، فقد خدع السعودي الماكر مضيفه الأفغاني.

لذلك، رغم أنه من غير المرجح أن تستقبل طالبان القاعدة بأذرع مفتوحة، إلا أن هناك احتمال من أن تستفيد الجماعة الإرهابية من عودة طالبان إلى السلطة. ولا يمكن قول الشيء نفسه عن داعش، التي تعارضها طالبان بشدة. إذ في الواقع، شنت حركة طالبان حربًا على داعش في المناطق الخاضعة لسيطرتها، لتحييد أي شيئ يحتمل أن يشكل تهديدا لهيمنتها على البلاد.

ولا ينبغي للعالم أن يتجاهل الخطر المتمثل في أن أفغانستان يمكن أن تصبح أرضا خصبة للإرهاب الدولي، ولا أن يركز بصورة كبيرة على هذا الاحتمال- وهو احتمال أقل بكثير مما يعتقده الكثيرون- إلى درجة تجعله يتجاهل الكارثة الإنسانية التي تتكشف أمام أعيننا. إن صور الأفغان اليائسين الذين يطالبون بالسفر على متن طائرات تقلع من مطار كابول، وقصص النساء الذين أجبرهم مقاتلو طالبان على ترك وظائفهن- أو أسوأ من ذلك- تبين تمامًا أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد تخلوا عن شعب أفغانستان، وتركوه تحت رحمة الحركة الوحشية والقمعية.

إن "الحرب على الإرهاب" الأمريكية التي استغرقت 20 عامًا هي أعظم كارثة استراتيجية شهدها تاريخ البلاد الحديث. ولم يكن ينبغي شن هذه الحرب التي قررت الولايات المتحدة تقليص خسائرها، بينما سيستمر الأفغان في دفع تكلفتها بثمن أغلى من أي وقت مضى.

ترجمة: نعيمة أبروش   Translated by Naaima Abarouch

https://prosyn.org/fqbu12tar