roubini186_ Jeff SwensenGetty Images_trump Jeff Swensen/Getty Images

ترمب وصورة المخاطر الاقتصادية العالمية

نيويورك ــ لقد دخلنا فترة من المنافسات والصراعات الجيوسياسية المتزايدة الـحِـدّة. فالآن، تدخل الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا عامها الثالث؛ ولا يزال من الممكن أن يتحول الصراع بين إسرائيل وحماس إلى حرب إقليمية؛ وقد تتحول الحرب الباردة المتفاقمة بين الولايات المتحدة والصين إلى حرب ساخنة حول تايوان في وقت ما من هذا العقد.

وإذا فاز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني، فسوف يشهد العالم مزيدا من انعدام الاستقرار. ورغم ذلك، لم يكن لهذه المخاطر سوى تأثير محدود على الاقتصادات والأسواق حتى الآن. تُـرى هل من الممكن أن يتغير هذا قريبا؟

برغم أن الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا تظل وحشية كما كانت دائما، فمن المرجح أن تكون تأثيراتها العالمية أكثر تواضعا. فاليوم أصبحت مخاطر التورط المباشر من جانب حلف شمال الأطلسي أو استخدام روسيا للأسلحة النووية التكتيكية أقل مما كانت عليه في مراحل أسبق من الحرب. على نحو مماثل، في حين أنتجت الحرب في مستهل الأمر ارتفاعا حادا في أسعار الطاقة والغذاء والأسمدة والمعادن الصناعية، فإن حتى أوروبا ــ المنطقة الأكثر تضررا ــ استوعبت الصدمة مع تباطؤ متواضع في النمو (أو توقفه في بعض الحالات)، ولكن ليس الركود الحاد الذي كان يخشاه كثيرون من المحللين.

فقد اسـتُـعيض عن الهيدروكربونات الروسية بزيادة الواردات من الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط. وتراجع التأثير على أسعار المواد الغذائية منذ تمكنت أوكرانيا من إعادة فتح ممر على البحر الأسود لصادراتها من الحبوب.

ولم تخلف الحرب بين إسرائيل وحماس سوى تأثير اقتصادي إقليمي وعالمي محدود حتى الآن. صحيح أن الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي انكمش بشكل حاد في الربع الرابع من عام 2023 ومن المرجح أن يظل ضعيفا ما دام الصراع متواصلا. ومن الواضح أن الضرر الاقتصادي الذي لحق بغزة أشد خطورة؛ كما انخفضت عائدات مِصر من قناة السويس ــ أحد المصادر الرئيسية لعائدات النقد الأجنبي ــ بسبب هجمات الحوثيين اليمنيين على شحن البضائع عبر البحر الأحمر. ولكن، إذا ظل الصراع محصورا على طول خطوطه الحالية، فسوف يظل التأثير الاقتصادي والسوقي العالمي محدودا أيضا.

في نهاية المطاف، يتطلب الأمر تصعيدا إقليميا كبيرا ــ كنشوب حرب صريحة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، أو ظهور علامات تشير إلى أن إسرائيل (وربما الولايات المتحدة) على الطريق إلى شن حرب مع إيران ــ لكي ترتفع التوقعات بوقوع تداعيات عالمية أكثر شِـدّة. إن نشوب حرب كاملة النطاق بين إسرائيل وإيران من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض إنتاج الطاقة وصادراتها من الخليج بشكل كبير، وهذا كفيل برفع أسعار الطاقة على نحو أشبه بصدمات الركود التضخمي العالمية التي أعقبت حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر) في عام 1973 والثورة الإيرانية في عام 1979. ما يدعو إلى التفاؤل أن احتمال حدوث تصعيد إقليمي حاد لا يزال منخفضا في الوقت الحالي.

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions
PS_Sales_Spring_1333x1000_V1

SPRING SALE: Save 40% on all new Digital or Digital Plus subscriptions

Subscribe now to gain greater access to Project Syndicate – including every commentary and our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – starting at just $49.99.

Subscribe Now

ورغم أن الحرب الباردة ــ أو المنافسة الاستراتيجية ــ بين أميركا والصين من المرجح أن تتفاقم بمرور الوقت، فقد لا تتدهور العلاقات بدرجة كبيرة هذا العام. في أواخر العام الماضي، اتفق الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج على إذابة الجليد تكتيكيا، وكانت ردة فعل الصين إزاء نتيجة الانتخابات الرئاسية غير الـمُـسـتَـحَـبة في تايوان مقيدة نسبيا. ورغم أن قضية تايوان قد تصل إلى مرحلة الغليان في وقت لاحق من هذا العقد، فمن غير المرجح أن يحدث ذلك في عامنا هذا أو العام المقبل. وقد تُـفـضي نقاط الضعف والهشاشة الاقتصادية التي تعاني منها الصين إلى جعلها أقل ميلا إلى مجابهة الولايات المتحدة والغرب.

من ناحية أخرى، لن تشتد كثيرا في الأمد القريب سياسات تقليص المخاطر، وإعادة التوطين، ودعم الأصدقاء، وتقييد التجارة في السلع والخدمات ورأس المال والتكنولوجيا، التي ينتهجها الغرب. وما دامت المنافسة الاستراتيجية تحت السيطرة، فسوف يظل التأثير الاقتصادي العالمي متواضعا.

الواقع أن أكبر خطر جيوسياسي يهدد النمو والأسواق هو الانتخابات الأميركية. ولكن من المهم هنا أن ندرك أن ترمب وبايدن يتقاسمان بعض أولويات السياسة الخارجية. والديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء متشددون في التعامل مع الصين، وسوف تظل هذه حالهم. كان كل من بايدن وترمب من أقوى أنصار إسرائيل، لكنهما يدركان أيضا أن التطبيع المرغوب للعلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية قد يتطلب بعض الاعتراف بحل الدولتين في نهاية المطاف.

يتعلق الاختلاف الأكبر بين ترمب وبايدن بقضايا حلف شمال الأطلسي وأوروبا والصراع الروسي الأوكراني. يخشى بعض المراقبين أن يتخلى ترمب عن أوكرانيا ويسمح لروسيا بالانتصار في الحرب. ولكن بما أنه من المرجح أن يظل متشددا في التعامل مع الصين، فقد يساوره القلق إزاء الإشارة التي قد تتلقاها (فيما يتعلق بتايوان) إذا سُـمِـحَ لروسيا بالاستيلاء على أوكرانيا. علاوة على ذلك، ما يريده ترمب حقا هو أن يزيد أعضاء حلف شمال الأطلسي الأوروبيون إنفاقهم على الدفاع. وإذا فعلوا ذلك، فقد يدرك قيمة التحالف مع تحوله نحو آسيا لردع الصين.

الأثر الأعظم الذي قد تخلفه إدارة ترمب الثانية على الأسواق هو من خلال سياساتها الاقتصادية. لا شك أن سياسات الحماية التي تنتهجها الولايات المتحدة ستزداد شِـدة. فقد صَـرَّحَ ترمب بالفعل بأنه سيفرض تعريفة بنسبة 10% على كل الواردات القادمة إلى الولايات المتحدة (يبلغ متوسط معدل التعريفة حاليا نحو 2%)، ومن المنتظر أن يفرض تعريفات جمركية أعلى على الواردات من الصين. هذا من شأنه أن يشعل شرارة حروب تجارية جديدة، ليس فقط مع منافسين استراتيجيين مثل الصين، بل وأيضا مع حلفاء أميركا في أوروبا وآسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية.

إن نشوب حرب تجارية عالمية من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض النمو وارتفاع التضخم، وهذا كفيل بأن يجعلها أكبر خطر جيوسياسي ينبغي للأسواق أن تضعه في الحسبان في الأشهر المقبلة. في هذا السيناريو، ستتحول مخاطر مثل تفكيك العولمة، والانفصال، والتفتت، وسياسات الحماية، وتشظي سلاسل العرض العالمية، والتحول بعيدا عن الدولار، إلى تهديدات أعظم خطرا للنمو الاقتصادي والأسواق المالية.

تشمل مخاطر الركود التضخمي الإضافية المرتبطة بترمب موقفه الـمُـنـكِـر لتغير المناخ واحتمال إقدامه على محاولة عزل رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول والاستعاضة عنه بشخص أكثر وداعة ومرونة. أخيرا، من شأن سياسات ترمب المالية أن تزيد من العجز المرتفع بالفعل بدرجة أكبر مما ينبغي. ومن المنتظر تمديد التخفيضات الضريبية التي من المقرر أن ينتهي العمل بها، وكذا زيادة الإنفاق على الدفاع والاستحقاقات. وسوف تتزايد مخاطر تسبب حراس السندات في إصابة أسواق السندات بصدمة في نهاية المطاف بفعل العوائد الأعلى كثيرا. ومع ارتفاع الديون الخاصة والعامة، واستمرارها في الارتفاع، فإن هذا من شأنه أن يستحضر شبح أزمة مالية.

كلنا نتذكر المقولة الشهيرة: "إنه الاقتصاد يا غبي". والآن تشكل أجندة السياسة الاقتصادية التي يقترحها ترمب التهديد الأعظم للاقتصادات والأسواق في مختلف أنحاء العالَـم.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

https://prosyn.org/bMrGOyoar