pa1706c.jpg Paul Lachine

الطبيعة ، المؤسسة ؟

برلين- ان القليل من الناس ما زال لديهم أوهام بإن معاهدات الامم المتحدة مثل المعاهدة الاطارية للتغير المناخي والمعاهدة المتعلقة بالتنوع الاحيائي يمكن ان تجنبنا الاحترار الدولي وخسارة التنوع الاحيائي واستنفاذ الاراضي الصالحة الزراعية والمياه كما ان القيود القاسية على انبعاثات ثاني اكسيد الكربون والمقاييس البيئية والاجتماعية الاكثر صرامة من اجل تخفيض استهلاك الموراد الطبيعية وحماية العمال يبدو انها لم تعد تحظى بالشعبية علما ان الاقتصادات التي تعاني من الازمات تشعر بالقلق من ان القواعد والاحكام يمكن ان تعيق الاستثمار والتجارة.

وبينما خسرت الاساليب القديمة المصداقية ، هناك بعض الحكومات والاقتصاديين والمؤسسات الدولية مثل برنامج الامم المتحدة البيئي تبنوا مقاربة جديدة مبنية على النظرة بإن الطبيعة هي مزود " لخدمة النظام البيئي " مما يعني انهم نقلوا العبء في التعامل مع المخاطر البيئية  الى القطاع الخاص واليات السوق .

ان المحافظة البيئية طبقا لهذا النموذج الجديد هو شأن تجاري وبينما تتحول البيئة الطبيعية لتصبح مجموعة من البضائع والخدمات التي يمكن المتاجرة بها . ان خلاصة هذا المنطق هو ان خدمات النظام البيئي لم تعد متوفره مجانا وبالفعل  وكما ذكر بافان سوخديف المؤلف الرئيس لدراسة اقتصادات الانظمة البيئية والتنوع الاحيائي والتي تهدف الى التركيز على التأثير الاقتصادي للتردي البيئي " نحن نستخدم الطبيعة لانها قيمة ولكنا نخسرها لأنها مجانية ".

ان وضع قيمة على خدمات النظام البيئي هو اكبر من وضع بطاقة سعر عليها ففي واقع الامر فإن هذه المقاربة يمكن ان تساعد في تشكيل السياسات البيئية والتي يمكن ان تستوعب بشكل اكثر فعالية فوائد التنوع الاحيائي والانظمة البيئية وبخلاف الناتج المحلي الاجمالي فإن بعض نماذج انظمة المحاسبة الجديدة تشمل اليات لحساب اما فوائد خدمات النظام البيئي او تكاليف تدميره مما يني خلق اساس للعمل السياسي والاقتصادي.

ان الخطر يكمن في ان النموذج الجديد سوف يجعل من السهولة بمكان جعل الطبيعة شأنا ماليا وفي واقع الامر فإن العملية قد بدأت بالفعل حيث ان برنامج ريد التابع للامم المتحدة يستخدم السوق والحوافز المالية من اجل تخفيض انبعاثات غاز الدفيئة الناتجة عن  ازالة الغابات وتدهورها.

ان "صيرفة الاماكن الطبيعية " تساعد المطورين العقاريين على الاتجار بالنقاط الائتمانية المتعلقة بالاماكن الطبيعية او التنوع الاحيائي والتي تم اكتسابها من خلال اجراءات لحماية الاماكن الطبيعية او الانواع والمحافظة عليها وتعزيزهاوذلك للتعويض عن التكاليف البيئية للبناء كما ان خطط الاتجار بالكربون تهدف لتخفيض قيمة التربة والغابات على اساس سعة تخزين الكربون .

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

ان كل هذا يوحي بملكية خاصة لخدمات النظام البيئي ولكن في العديد من البلدان فإن الانظمة البيئية السليمة الباقية هي في مناطق يسكنها السكان الاصليون مما يجعل الصراع مع تلك المجتمعات وضمن تلك المجتمعات مسألة حتمية . سوف يطلب الناس المحليون معرفة من يملك الخدمات ومن يربح من درجات الائتمان المرتبطة بذلك ومهما يكن ذلك الطرف فأنه سوف يتحمل المسؤولية فيما يتعلق بتلبية متطلبات المحاسبة والتقيد المعقدة مع التخفيف من مخاطر الاقصاء .

ان رغبة القطاع الخاص في تمويل المحافظة على الغابات على سبيل المثال يعتمد على ادماح النقاط الائتمانية في انظمة تبادل الانبعاثات الدولية وهذا احتمال غير وارد بالمرة نظرا للوضع الحالي لمفاوضات المناخ الدولية . ان الموقف الحالي يقضي بإن تبادل الانبعاثات يمكن ان يعمل فقط كطريقة لاصلاح  مقاربة الدول الصناعية والتي تنطوي على عدم الاكتراث. ان الدور المتنامي لادوات السوق في المحافظة على الطبيعة سوف يؤهل الشركات للتلاعب بالتزاماتها البيئية بينما يسهل على الحكومة اهمال مسؤولتها بصياغة سياسة بيئية فعالة.

على سبيل المثال ، قام لوبي الشركات الزراعية القوي في البرازيل بالضغط على الحكومة من اجل الموافقة على قانون جديد للغابات والذي يستخدم ادوات السوق من اجل اعطاء المنتجين الزراعيين مساحة اكبر للمناورة فيما يتعلق بالمحافظة على الطبيعة وكنتيجة لذلك فإن ملاك الاراضي الذين يقومون بازالة النباتات اكثر من ما مسموح به يمكنهم الان الرجوع الى الالتزام مرة اخرى عن طريق شراء نقاط ائتمان "اوفست " من خلال بورصة ريو دي جانيرو البيئية (بولسا فيردي ) من اولئك الذين لديهم اكثر من الحد الادنى المطلوب من غطاء الغابات.

ان النظام الجديد شجع اولئك الذين يسعون الى تزويد نقاط ائتمان اوفست بالاستيلاء على اراضي في مناطق لم يعد فيها قطع الاشجار ونقلها مربحا وهو رد مبني على اقتصادات السوق تخلله انتهاكات لحقوق الانسان . ان تجربة البرازيل تشير الى مخاطر وجود سياسة بيئية ضعيفة اي سياسة تعطي من لديهم الاموال خيار شراء مخرج لهم على حساب المواطنين الاضعف وخاصة السكان الاصليين والمزارعين الفقراء.

لقد كشفت الازمة المالية العالمية مخاطر الاعتماد بشكل حصري على الاسواق من اجل تنظيم النشاط الاقتصادي واذا اخذنا بعين الاعتبار ان عواقب اي انهيار بيئي عالمي سوف يكون اكثر تدميرا فإن الاعتماد على اليات السوق من اجل حماية البيئة الطبيعية وتعزيزها يعتبر وصفة كارثية.

من اجل تجنب مثل هذه النتيجة فإن على الناس من جميع انحاء العالم رفض فكرة الطبيعة كمزود للخدمات ودعوة صناع السياسات العمل بجد من اجل حماية الاماكن البيئية والتنوع البيئي والمحافظة عليها. ان اليات التوازن "اوفست" بين نشاطات مضرة يجب ان لا يسمح لها بالاستمرار في صرف النظر عن الامور الضرورية الحقيقية مثل منع ازالة الغابات والتخلص التدريجي من الوقود الاحفوري.

وعليه فإن جعل الطبيعة شأنا ماليا باستخدام مشتقات وغيرها من المنتجات المالية يجب ان يتم منعه فبينما لا تضاهي القيمة المالية الحالية للغابة المطيرة الخالية من الاضرار المصادر الطبيعة والمعدنية الموجودة فيها فإن اهميتها لبقاء الجنس البشري تتجاوز ذلك .

يجب على الحكومات كذلك التخلص التدريجي من الدعم المالي والذي يضر بالمناخ والتنوع البيئي مثل الحوافز النقدية التي تستهدف الى تشجيع التخلص من الغابات من اجل نشاطات منتجة مثل الزراعة. ان عمل ذلك سوف يجعل البلدان تحقق اهدافها المتعلقة بحماية البيئة وتوفير المصادر المالية.

ان هذا لا يعني ان اليات السوق لا يمكن ان تساهم في حماية البيئة والمحافظة عليها ولكن هذا يمكن ان يتم فقط اذا كانت تلك الاليات جزءا من اطار اكثر شمولا يأخذ بالحسبان القيمة الحقيقة للبيئة الطبيعية والتي لا تقدر بثمن .

https://prosyn.org/fWz5aGJar