الإبداع المالي في البرية

باريس ــ في هذا الشهر، احتفلت اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهدد بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية ببداية عقدها الخامس. وهي الاتفاقية البيئية الدولية الأقدم على الإطلاق وواحدة من الاتفاقيات القليلة التي تتمتع بأنياب حقيقية، لأنها قادرة على فرض عقوبات تجارية على غير الملتزمين بها ــ ولأن كل البلدان تقريباً انضمت إلى عضويتها.

تتلخص مهمة اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية في منع التهريب غير القانوني في الحياة البرية والإتجار غير المشروع في الأنواع المحمية المهددة بالانقراض. والتبادل التجاري في الأنواع المهددة بالانقراض ــ بما في ذلك الفيلة ووحيد القرن والنمور ــ فضلاً عن المنتجات المشتقة مثل الأنياب والقرون والمساحيق، محظور تماما. ويخضع التبادل التجاري في الأنواع غير المهددة بعد بالانقراض ولكنها لا تزال محمية بموجب اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية ــ على سبيل المثال ثعبان الأصلة ــ لنظام الترخيص.

وفي الإجمال، توفر اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية الحماية لنحو 5600 من الأنواع الحيوانية ونحو 30 ألف من الأنواع النباتية. ورغم هذا فإن العديد من الأنواع المحمية تواجه تهديدات خطيرة، وذلك بسبب فقدان الموطن الطبيعي والتجارة غير المشروعة والحصاد غير المستدام.

ونحن نعتقد أن تمويل التنمية الإبداعية من الممكن أن يلعب دوراً في مساعدة البلدان المنضمة إلى الاتفاقية (180 دولة) لتحقيق كامل إمكانات الاتفاقية، وذلك من خلال تكييف أحدث التكنولوجيات والأدوات المتاحة على نطاق واسع مع التصاريح الخاصة بهذه التجارة.

وتبلغ قيمة التجارة الدولية في الأنواع المسجلة لدى اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية عدة مليارات من الدولارات، وتتراوح من الأخشاب إلى الحيوانات الأليفة الغريبة إلى المنتجات الجلدية الفاخرة. ومنذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، ارتفع عدد التصريحات التجارية الصادرة سنوياً بشكل كبير، إلى أكثر من مليون تصريح. ولكن نظام الترخيص عتيق تكنولوجياً وعُرضة للتلاعب بفعل الغش والفساد.

على سبيل المثال، تبلغ القيمة السنوية لسوق التجارة الرسمية في ثعبان الأصلة والتي تغطيها تصاريح رسمية نحو مليار دولار أميركية؛ ولكن هناك ما يقدر بنحو مليار دولار أخرى من منتجات ثعبان الأصلة يتم تداولها في السوق السوداء. وكثيراً ما يساء استخدام التصاريح لتهريب بضائع إضافية، لأن النظام الحالي لا يسمح بمطابقة نوع معين من الجلد أو حيوان بعينه مع تصريح معين.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

المطلوب الآن وبإلحاح هو نظام تحقق إلكتروني لحظي قادر على تتبع عينة من المصدر إلى المنتج النهائي. وسوف يساعد إنشاء نظام تصاريح إلكتروني عالمي يستعين بتقنيات وعمليات وطرق لوسم العلامات التجارية أشبه بنظام جمعية التفتيش الفني الألمانية في إنقاذ الأنواع المهدد بالانقراض، وحماية الحياة البرية على كوكبنا، وتعويض المجتمعات المحلية.

الآن، تستخدم مجموعة واسعة من التقنيات والتطبيقات لتحديد هوية البشر ــ مثل التعرف البصري والصوتي، وصور الليزر والأقمار الصناعية، وتحليل الحمض النووي، واستخراج البيانات، على سبيل المثال لا الحصر ــ ويمكن تكييفها لتوسيع نطاق استراتيجية التتبع هذه. على سبيل المثال، أصبحت تقنيات المسح ونظم المعلومات اليوم قادرة تماماً على مسح جلد ثعبان أو تمساح وتعقب أي قطعة صغيرة (ولنقل حزام ساعة المعصم) إلى مصدرها.

وثمة خيار آخر يتمثل في مسح قزحية عين ببغاء على سبيل المثال عند نقطة التصدير لضمان عدم إبداله ببغاء آخر. وهذا من شأنه أن يجعل إساءة استعمال نظام التصاريح أمر أصعب كثيرا.

ومن الممكن أن يعمل تمويل التنمية الإبداعية على تعبئة رأس المال الخاص والتمويل العالم لإنشاء وتسويق التكنولوجيات التي يمكن استخدامها من قِبَل اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية. تخيل أول صندوق في العالم للاستثمار في الأجهزة والخدمات الحديثة التي تعمل على تحسين عمليات التنظيم والتنفيذ والتوعية العامة في مجال التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض. وسوف يكون الصندوق الذي نقترحه قادراً على توليد عائدات متوافقة مع السوق من خلال الاستثمار في شركات التكنولوجيا ومقدمي الخدمات التي تتعقب التجارة في الأنواع المهددة بالانقراض من المصدر إلى المنتج النهائي.

ولكن كيف قد يتسنى لهذه الشركات أن تحقق أرباحاً مالية؟

أولا، سوف يكون بوسعها أن تبيع الحلول لهيئات إنفاذ القانون، مثل هيئات الجمارك والشرطة، وللشركات في سلسلة العرض. والواقع أن أغلب شركات السلع الفاخرة تؤيد إنشاء نظام تصاريح يتسم بالكفاءة والفعالية من حيث التكلفة. ولكن برغم أن هذه الشركات سوف تستخدم مثل هذا النظام إذا كان متاحاً ومطلوباً من قِبَل العملاء، فإنها لن تستثمر فيه بنفسها. وقد تكون أنظمة حشد المصادر التي تسمح للمستهلكين بالمطالبة بمعلومات المعروض والتحقق منها فعّالة للغاية في خلق سوق جديدة لمثل هذه المعلومات.

وثانيا، التصاريح ليست مجانية حتى يومنا هذا. والواقع أن إحدى مشاكل النظام الحالي هي أن كثيرين في سلسلة العرض يختارون "توفير" المال للحصول على التصاريح، لأن الغش سهل. ووجود نظام حديدي فوري لمنح التصاريح الإلكترونية من شأنه أن يوفر مورداً قابلاً للقياس ومتكرراً من العوائد بالنسبة لمقدمي التكنولوجيا ومشغلي الأنظمة. ومن شأنه أيضاً أن يفرض ضغوطاً على أولئك الذين يستخدمون السوق السوداء ويرغمهم على الخروج إلى النور.

الواقع أن النهج الذي نتصوره يُعَد نموذجاً أولياً لتمويل التنمية الإبداعية. وهو يجمع بين أفضل ما يستطيع القطاع الخاص تقديمه، بما في ذلك رأس المال والتكنولوجيا والإبداع والكفاءة، وأفضل ما يستطيع القطاع العام تقديمه، مثل التشريعات والقواعد التنظيمية اللازمة لحماية المنافع العامة العالمية. وإذا تبنت الأطراف المشاركة في اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من الحيوانات والنباتات البرية القدرات التكنولوجية المتاحة لها، فإن المجتمعات المحلية والحياة البرية على كوكبنا سوف تكون أكبر الفائزين.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

https://prosyn.org/wKYglJEar