فاس- خلال الأشهر القليلة الماضية، برزت ظاهرة جديدة في شمال إفريقيا: تراجع إلى حد كبير عدد المجندين الجهاديين لصالح تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف بالكلمة العربية التحقيرية "داعش" وخاصة في المغرب، نتيجة لتنفيذ تدابير أمنية مشددة. وللقضاء على هذا التهديد الإرهابي تماما ينبغي القيام بالمزيد من العمل.
وجاء هذا التراجع بعد ارتفاع مقلق في تجنيد الإرهابيين من قبل داعش في المنطقة. وحسب الـمدير العام للإدارة العامة للدراسات والمستندات السيد محمد ياسين المنصوري فإن عدد المقاتلين المغاربة في يونيو 2014 قد بلغ1193فردا كانوا يقاتلون في منطقة سوريا والعراق كما كشف تقرير صادر عن لجنة مكافحة الإرهاب للأمم المتحدة في أبريل 2015 أن المغاربة والتونسيين يشكلون أكبر قوة أجنبية من الجهاديين في العراق وسوريا.
ويعد العامل الاقتصادي من الدوافع الأساسية للالتحاق بتنظيم داعش ، حيث يتقاضى الجهادي العادي نحو1400 دولارا شهريا - وهو مبلغ كبير بالنسبة للشباب العاطل والمنحدر من أسر معوزة أو بالنسبة لمن يقومون في بلدهم بوظائف متواضعة الدخل الشهري يعادل 150 دولارا تقريبا. وبالنظر إلى أن المستوى التعليمي للأغلبية الساحقة من الجهاديين لا يتجاوز المرحلة الابتدائية، حيث أن 10٪ فقط منهم يحملون شهادة جامعية، فإن فرص الشغل والتقدم الاقتصادي في بلدهم تبدو محدودة. بالطبع، هناك أيضا عوامل شخصية، ورغم ذلك يبدو أن الدين يأتي في المرتبة الثانية بعد دافع المغامرة والشجاعة في المعركة.
سواء من أجل "البطولة" أو لكسب المال، فإن 30 مغربيا في المتوسط، ينضمون لداعش كل شهر منذ بدء الحرب الأهلية السورية. ولكن الآن تراجع هذا المعدل بدرجة كبيرة. فوفقا لمرصد الشمال لحقوق الإنسان المغربي، سافر فقط 16 من الجهاديين المغاربة إلى سوريا والعراق في الأشهر الستة الأولى من هذا العام.
ويمكن أن يعزى هذا الانخفاض إلى عدة عوامل. بالنسبة للمبتدئين، فقد تقلص تجنيد المتطرفين المحتملين ، وتنظيم داعش تراجع إلى حد كبير. و من المرجح أن لا ينمو، لأن داعش أصبح ظاهرة مغلوطة. فالحياة في معسكرات الجهاديين ليست فقط أقل متعة بكثير من الصورة التي تظهر في العلن، ولكن بات من الواضح أيضا أن الخلافة التي نصبت نفسها - ركزت على عمليات القتل الجماعي وقطع الرؤوس، وغيرها من الأعمال الوحشية - لا علاقة لها بالإسلام. فسكان شمال أفريقيا والسكان المحليين في سوريا والعراق يكرهون الجهاديين الأجانب، الذين يعتبرونهم مرتزقة يسعون للسلطة وجمع الثروة، بدل الدفاع الحقيقي عن الإسلام.
علاوة على ذلك، قامت الدولة المغربية بجهد استثنائي لمنع خروج المجندين الجدد إلى العراق وسوريا، وتجنب الهجمات الإرهابية في الداخل. في الوقت نفسه، أصبح الجهاد يون على علم بما سينتظرهم إذا عادوا إلى المغرب: السجن لمدة تصل إلى 15 عاما، بالإضافة إلى استجوابات الشرطة القاسية وظروف الاعتقال العصيبة.
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
لكن الانخفاض في تجنيد الإرهابيين لا يعني أن الوقت قد حان لتخفيف تدابير مكافحة الإرهاب. لكسب الوقت سيتراجع الإرهابيون غالبا لتجديد ترسانتهم وتطوير أساليب جديدة لجذب وتدريب مقاتلين جدد. وفي الواقع، كما أكد ذلك تقرير الأمم المتحدة، لا يزال داعش يحتفظ بمهارة عالية في استخدام الشبكات الاجتماعية لجذب وتدريب الشباب من جميع أنحاء المنطقة. وهناك خطر جدي لاحتمال وقوع هجمات إرهابية في الداخل، خصوصا أن هجمات "الذئاب المنفردة" أصبحت أكثر انتشارا - مثل مقتل 38 سائحا في تونس في يونيو، ومحاولة هجوم على متن قطار تاليس المتجه إلى باريس في أغسطس.
لهذه الأسباب انخرط المغرب في إستراتيجية استباقية متعددة الأوجه لوقف الإرهابيين قبل شن الهجمات. وتتضمن إستراتيجية مراقبة المجال الديني، إصلاح قانون العقوبات، محاربة الإقصاء الاجتماعي من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقتها الحكومة في عام 2005؛ وانتشار الأجهزة الأمنية المعززة "حذر."
وقد أثبتت هذه الإستراتيجية حتى الآن فعاليتها. في مقابلة أجريت مؤخرا، كشف وزير الداخلية المغربي السيد محمد حصاد أن الشرطة فككت 27 خلية جهادية في سنتي 2013 و2014، وثمانية خلايا في الأشهر الخمسة الأولى من بداية هذا العام، أي مجموع يفوق 200 حالة اعتقال.
غير أن المغرب لا يعمل بمفرده باعتبار أن الإرهاب مشكلة دولية، بل يقوم بتنسيق جهوده لمكافحة الإرهاب مع حلفائه، وخاصة إسبانيا وفرنسا. فبتعاون مع قوات الأمن الإسبانية تمكنت مؤخرا وكالة المخابرات المغربية من اكتشاف وتفكيك شبكتين إرهابيتين من تسعة أعضاء، والتي كانت تجند بنشاط وترسل شباب مغاربة للقتال في صفوف داعش.
واعترافا بجهوده نال المغرب تقديرا دوليا. ففي مايو على سبيل المثال، تم اختيار المغرب لرئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب. ولمواجهة خطر الإرهاب في شمال أفريقيا وخارجها، سيكون على المغرب مواصلة التصدي لهذا التهديد على جميع الأصعدة: المخابرات، تطبيق القانون، والسياسة الاجتماعية. ويعد نجاح المغرب في مكافحة الإرهاب مثالا يقتدى به ينبغي للبلدان الأخرى الاطلاع عليه.
To have unlimited access to our content including in-depth commentaries, book reviews, exclusive interviews, PS OnPoint and PS The Big Picture, please subscribe
By asserting its right to pursue an immigration policy at odds with that of the US federal government, Texas is reviving a constitutional debate that recurred throughout the early nineteenth century, culminating in the Civil War. It is an ominous reminder that the perpetuation of the Union can never be taken for granted.
highlights the constitutional threat posed by the state's attempt to impose its own immigration policy.
With Ukraine depleted and overstretched, and with Russia posing a security threat to the Baltics and Europe more broadly, diplomatic and strategic coordination is more necessary than it has been since the end of the Cold War. Yet political leaders in Europe and the United States look too weak to rise to the occasion.
worries that Western political leaders lack the will to take the risky decisions that security demands.
فاس- خلال الأشهر القليلة الماضية، برزت ظاهرة جديدة في شمال إفريقيا: تراجع إلى حد كبير عدد المجندين الجهاديين لصالح تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف بالكلمة العربية التحقيرية "داعش" وخاصة في المغرب، نتيجة لتنفيذ تدابير أمنية مشددة. وللقضاء على هذا التهديد الإرهابي تماما ينبغي القيام بالمزيد من العمل.
وجاء هذا التراجع بعد ارتفاع مقلق في تجنيد الإرهابيين من قبل داعش في المنطقة. وحسب الـمدير العام للإدارة العامة للدراسات والمستندات السيد محمد ياسين المنصوري فإن عدد المقاتلين المغاربة في يونيو 2014 قد بلغ 1193فردا كانوا يقاتلون في منطقة سوريا والعراق كما كشف تقرير صادر عن لجنة مكافحة الإرهاب للأمم المتحدة في أبريل 2015 أن المغاربة والتونسيين يشكلون أكبر قوة أجنبية من الجهاديين في العراق وسوريا.
ويعد العامل الاقتصادي من الدوافع الأساسية للالتحاق بتنظيم داعش ، حيث يتقاضى الجهادي العادي نحو1400 دولارا شهريا - وهو مبلغ كبير بالنسبة للشباب العاطل والمنحدر من أسر معوزة أو بالنسبة لمن يقومون في بلدهم بوظائف متواضعة الدخل الشهري يعادل 150 دولارا تقريبا. وبالنظر إلى أن المستوى التعليمي للأغلبية الساحقة من الجهاديين لا يتجاوز المرحلة الابتدائية، حيث أن 10٪ فقط منهم يحملون شهادة جامعية، فإن فرص الشغل والتقدم الاقتصادي في بلدهم تبدو محدودة. بالطبع، هناك أيضا عوامل شخصية، ورغم ذلك يبدو أن الدين يأتي في المرتبة الثانية بعد دافع المغامرة والشجاعة في المعركة.
سواء من أجل "البطولة" أو لكسب المال، فإن 30 مغربيا في المتوسط، ينضمون لداعش كل شهر منذ بدء الحرب الأهلية السورية. ولكن الآن تراجع هذا المعدل بدرجة كبيرة. فوفقا لمرصد الشمال لحقوق الإنسان المغربي، سافر فقط 16 من الجهاديين المغاربة إلى سوريا والعراق في الأشهر الستة الأولى من هذا العام.
ويمكن أن يعزى هذا الانخفاض إلى عدة عوامل. بالنسبة للمبتدئين، فقد تقلص تجنيد المتطرفين المحتملين ، وتنظيم داعش تراجع إلى حد كبير. و من المرجح أن لا ينمو، لأن داعش أصبح ظاهرة مغلوطة. فالحياة في معسكرات الجهاديين ليست فقط أقل متعة بكثير من الصورة التي تظهر في العلن، ولكن بات من الواضح أيضا أن الخلافة التي نصبت نفسها - ركزت على عمليات القتل الجماعي وقطع الرؤوس، وغيرها من الأعمال الوحشية - لا علاقة لها بالإسلام. فسكان شمال أفريقيا والسكان المحليين في سوريا والعراق يكرهون الجهاديين الأجانب، الذين يعتبرونهم مرتزقة يسعون للسلطة وجمع الثروة، بدل الدفاع الحقيقي عن الإسلام.
علاوة على ذلك، قامت الدولة المغربية بجهد استثنائي لمنع خروج المجندين الجدد إلى العراق وسوريا، وتجنب الهجمات الإرهابية في الداخل. في الوقت نفسه، أصبح الجهاد يون على علم بما سينتظرهم إذا عادوا إلى المغرب: السجن لمدة تصل إلى 15 عاما، بالإضافة إلى استجوابات الشرطة القاسية وظروف الاعتقال العصيبة.
Subscribe to PS Digital
Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.
Subscribe Now
لكن الانخفاض في تجنيد الإرهابيين لا يعني أن الوقت قد حان لتخفيف تدابير مكافحة الإرهاب. لكسب الوقت سيتراجع الإرهابيون غالبا لتجديد ترسانتهم وتطوير أساليب جديدة لجذب وتدريب مقاتلين جدد. وفي الواقع، كما أكد ذلك تقرير الأمم المتحدة، لا يزال داعش يحتفظ بمهارة عالية في استخدام الشبكات الاجتماعية لجذب وتدريب الشباب من جميع أنحاء المنطقة. وهناك خطر جدي لاحتمال وقوع هجمات إرهابية في الداخل، خصوصا أن هجمات "الذئاب المنفردة" أصبحت أكثر انتشارا - مثل مقتل 38 سائحا في تونس في يونيو، ومحاولة هجوم على متن قطار تاليس المتجه إلى باريس في أغسطس.
لهذه الأسباب انخرط المغرب في إستراتيجية استباقية متعددة الأوجه لوقف الإرهابيين قبل شن الهجمات. وتتضمن إستراتيجية مراقبة المجال الديني، إصلاح قانون العقوبات، محاربة الإقصاء الاجتماعي من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقتها الحكومة في عام 2005؛ وانتشار الأجهزة الأمنية المعززة "حذر."
وقد أثبتت هذه الإستراتيجية حتى الآن فعاليتها. في مقابلة أجريت مؤخرا، كشف وزير الداخلية المغربي السيد محمد حصاد أن الشرطة فككت 27 خلية جهادية في سنتي 2013 و2014، وثمانية خلايا في الأشهر الخمسة الأولى من بداية هذا العام، أي مجموع يفوق 200 حالة اعتقال.
غير أن المغرب لا يعمل بمفرده باعتبار أن الإرهاب مشكلة دولية، بل يقوم بتنسيق جهوده لمكافحة الإرهاب مع حلفائه، وخاصة إسبانيا وفرنسا. فبتعاون مع قوات الأمن الإسبانية تمكنت مؤخرا وكالة المخابرات المغربية من اكتشاف وتفكيك شبكتين إرهابيتين من تسعة أعضاء، والتي كانت تجند بنشاط وترسل شباب مغاربة للقتال في صفوف داعش.
واعترافا بجهوده نال المغرب تقديرا دوليا. ففي مايو على سبيل المثال، تم اختيار المغرب لرئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب. ولمواجهة خطر الإرهاب في شمال أفريقيا وخارجها، سيكون على المغرب مواصلة التصدي لهذا التهديد على جميع الأصعدة: المخابرات، تطبيق القانون، والسياسة الاجتماعية. ويعد نجاح المغرب في مكافحة الإرهاب مثالا يقتدى به ينبغي للبلدان الأخرى الاطلاع عليه.