6ab5c50346f86f380ef07119_pa3824c.jpg Paul Lachine

من فوكوشيما الى نزع السلاح

سيدني – بالرغم من مرور اشهر على الزلزال والتسونامي المدمرين واللذان ضربا اليابان في 11 مارس الماضي فإن الكارثة النووية المستمرة في فوكوشيما تضاعف من المأساة الانسانية وتعتبر عائق في وجه الانتعاش واسترداد العافية. ان المفاعلات المتضررة وبرك الوقود المستنفذ تحتوي على وقود نووي اكثر بحوالي عشر مرات مقارنة بمفاعل تشيرنوبل والذي انفجر في سنة 1986. لقد ذاب الوقود في ثلاثة مفاعلات علما انه من شبه المؤكد ان ذلك قد حصل من خلال خزانات المفاعل حيث تم اختراق هياكل التخزين الرئيسة كما عملت التفجيرات على تدمير هياكل التخزين الثانوية ( المباني) حيث تستمر الاشعاعات كما لم يتم اعادة تركيب نظام التبريد المغلق .

ان اكثر من مائة الف طن من المياه العادمة عالية الاشعاع تملأ المنشأة الان الى اقصى طاقتها حيث يستمر صب المياه من اجل منع المزيد من الانبعاثات المشعة الكبيرة. ان الوقود المستنفذ في البرك القريبة من كل مفاعل والتي تحتوي على اشعاعات اكثر من المفاعلات نفسها ، قد تضرر بشكل كبير كما انه يقوم بتسريب الاشعاع وما يزال بدون تبريد دائم . لقد تسبب الوقود المستنفذ في المفاعل 4 بانفجار هيدروجيني وحريق في 15 مارس.

لقد نتج عن ذلك انبعاث كميات كبيرةمن الاشعاع على مستوى مشابه لتشيرنوبل في الهواء والارض والمحيط ومن المحتمل ان تستمر تلك الانبعاثات لسنوات قادمة.

بينما تجتذب كارثة فوكوشيما اهتمام عالمي متأخر في السلامة والامن النووي وتؤدي الى اعادة النظر في الطاقة النووية ، تبقى ابعادها على الاسلحة النووية بدون مناقشة في اغلب الاحيان. ان التفاعلات النووية التي تحرك المفاعلات والتي تحرك الاسلحة هي نفس التفاعلات وبنفس المنتجات المشعة التي تنتشر عن طريق الهواء والمطر والمياه والتي لا تحترم الحدود وليس لديها تمييز فيما يختص بالسرطانات طويلة الاجل والمخاطر الجينية.

ان الذي حدث في فوكوشيما يمكن وصفه بالعاصفة الكاملة – زلازل وتسونامي كبيرين والعديد من المفاعلات الساحلية المتعددة والضعيفة مع برك وقود مستنفذ في نفس المباني ومع حواجز غير كافية وفقدان للطاقة ومولدات احتياطية موضوعة في اماكن منخفضة جدا- حيث كان يعتقد ان احتمالية حدوثها كانت بعيدة جدا . لكن هل كانت هذه الاحتمالية بعيدة جدا فعلا؟ لقد حدثت مشاكل في مفاعلات مماثلة في السابق . ان الشركة المشغلة لفوكوشيما وهي شركة طوكيو للطاقة الكهربائية لديها سجل ضعيف في السلامة وتاريخ طويل من التزوير والتستر فيما يتعلق بالتفتيش ومعلومات السلامة.

لا توجد مفاعلات نووية مصممة لتحمل زلازل بقوة 8 درجات ولكن كان هناك 11 زلازل بقوة تزيد عن 8،5 درجة في القرن الماضي وبالرغم من مضي 11 سنة فقط على بداية هذا القرن فإنه قد شهد 5 زلازل وتقريبا جميعها كان يتبعها تسونامي . ان الحائط البحري في فوكوشيما كان مصمما لتسونامي لا يزيد علوه على 5،7 متر ولكن الساحل نفسه كان قد تم تدميره من قبل تسونامي بعلو 38 متر في سنة 1896 ومرة أخرى من قبل تسونامي بعلو 29 متر في سنة 1933.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

لا توجد ايضا مفاعلات نووية مصممة لتحمل هجوم يشبه هجوم الحادي عشر من سبتمبر 2011 والذي كان ايضا هجوما غير متوقع. ان الطائرة التي تحطمت في ذلكالحقل في بنسلفانيا كانت على ما أذكر على مسافة تقل عن 10 دقائق من المحطة النووية في جزيرة ثري مايل.

لقد اظهرت فوكوشيما ضعف برك الوقود المستنفذ في وجه الضرر المباشر او توقف الطاقة أو المياه او مضخات التبريد. ان هذه البرك تحتوي على كميات كبيرة من الاشعة طويلة الاجل وهي عادة ما تكون موجودة في مبنى بسيط بدون طبقات متعددة معده هندسيا لغايات الاحتواء. ان مفاعلات الطاقة النووية والتي يبلغ عددها 437 وبرك الوقود المستنفذ المرتبطة بها هي في واقع الامر اسلحة اشعاعية ضخمة متمركزه سابقا أو " قنابل قذرة ".

ان العالم يحتوي على 22400 سلاح نووي حوالي 1770 منها موجود في روسيا والولايات المتحدة الامريكية و64 أخرى في فرنسا و 48 في المملكة المتحدة وهذا الاسلحة تقف على اهبة الاستعداد وجاهزة للاطلاق ردا على ما يعتقد انه هجوم مع وجود دقائق فقط للتحقق واتخاذ القرار. ان التاريخ الحديث مليء بالكثير من الاحداث عن انذارات خاطئة وعن تجنب الوقوع في الاخطاء في آخر لحظة وكلها غير متوقعه وكلها عبارة عن خليط من الاخطاء التقنية والبشرية. ان زيادة احتمالية وقوع كارثة نووية بسبب هجوم افتراضي من خلال شبكة الانترنت يزيد من الخطر الوجودي.

نحن نعلم الان ان فقط 100 من الاسلحة النووية بحجم قنبلة هيروشيما الصغيرة نسبيا وهي أقل من واحد بالالف من الترسانة النووية العالمية يمكن ان ترفع ملايين الاطنان من الدخان الاسود عاليا في الجو مما قد يؤدي الى ان يلف الظلام والبرد الكرة الارضية مما قد يخفض من المطر وانتاج الغذاء في السنوات المتلاحقة ويتسبب في مجاعة عالمية على نطاق لم يشهده العالم من قبل . ان هذا يمكن ان يأتي من ترسانات أي من الدول العشرة المسلحة نوويا في وقتنا الحاضر باستثناء كوريا الشمالية.

ان  القصد أو الخطأ في الحساب أو الخطأ التقني أو الهجوم الافتراضي من خلال الانترنت او الحادث قد يتسبب في تصعيد نووي للصراع بين الهند والباكستان أو في الشرق الاوسط ( وبإشراك الاسلحة النووية لاسرائيل) أو في شبه الجزيرة الكورية.ان مثل هذه النتائج هي على الاقل تتشابه في امكانية حدوثها أو ترجيح حدوثها- ان لم تكن اكثر - بإمكانية حدوثزلازل ضخم أو تسونامي ادى الى ضرر واسع الانتشار لاربعة مفاعلات نووية يابانية وبرك الوقود المستنفذ القريبة منها.

إن أي بلد باستطاعته ان يخصب اليورانيوم من اجل تزويد المفاعلات النووية بالوقود لديه كل ما يحتاج اليه لتخصيب اليورانيوم بشكل اكبر ليصل الى قوة درجة السلاح. ان 1-2% من الوقود النووي في أي مفاعل نووي يمكن في نهاية المطاف ان يتم تحويله الى بلوتونيوم . ان من الممكن فصل ذلك من خلال معاجلة كيميائية وان يتم استخدامه في صنع قنبله كما فعلت اسرائيل والهند وكوريا الشمالية علما ان العديد يخافون من ان ايران تسعى لعمل الشيء نفسه.

حاليا ، لا توجد اية قيود على قيام أي دولة ببناء معمل لتخصيب اليورانيوم أو اعادة تجهيز الوقود النووي المستنفذ من اجل استخلاص البلوتونيوم وكما رأينا فإن ضمانات السلامة لوحدها ليست كافية. نحن لن نستطيع منع المزيد من انتشار الاسلحة النووية واستخدامها في نهاية المطاف ناهيك عن تحقيق عالم خالي من الاسلحة النووية بدون تحكم دولي صارم بجميع عمليات تخصيب اليورانيوم وبدون منع فصل البلوتونيوم من الوقود المستنفذ.

https://prosyn.org/91vzIoJar