احتواء أزمة الموارد

لندن ــ لم يكن الإعلان عن حرب باردة جديدة في أعقاب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم أكثر من إنذار كاذب وغير ناضج. ولكنه رغم ذلك يعكس جَزَع صناع القرار اليوم في مواجهة نظام عالمي يوشك على الانهيار. وفي ظل بُعد الاقتصادات الناشئة عن الالتزام بالقواعد والمعاير الراسخة المعمول بها في العلاقات الدولية، تشعر العديد من الحكومات والشركات المتعددة الجنسيات بالضعف بسبب اضطرارها إلى الاعتماد على غيرها للحصول على الموارد الحيوية ــ اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي على سبيل المثال.

الواقع أن التنافس على الموارد النادرة يشكل اختباراً قاسياً لافتراضاتنا حول الحوكمة العالمية والتعاون العالمي في وقت حيث أصبحت الزعامة الجماعية أشد ضرورة من أي وقت مضى. ولكن حتى في غياب الأطر القانونية العالمية الشاملة، يصبح من الممكن الحفاظ على حِس أمني مشترك إذا تأسست شروط الاستثمار في الموارد على فهم سياسي طويل الأجل وعلاقات تجارية راسخة وليس على المنافسة القصيرة الأجل.

الحق أن المخاطر كبيرة. إذ ترتبط ندرة الموارد ارتباطاً وثيقاً بالمخاطر السياسية. ولنتأمل هنا على سبيل المثال الجفاف الذي أهلك محصول القمح في روسيا عام 2010. ففي الاستجابة لهذه الضائقة، فرضت روسيا قيوداً على الصادرات لدعم إمداداتها المحلية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء إلى عنان السماء في الأسواق التي تصدر إليها، وخاصة في مصر. وقد ساعد هذا بدورة في إشعال شرارة الانتفاضات السياسية التي انتشرت بسرعة عبر شمال أفريقيا والشرق الأوسط. ومن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى المزيد من سلاسل الأحداث المماثلة.

وتشكل القضية القابلة للانفجار بشأن الموارد المائية في دلتا نهر النيل إحدى الحالات الاختبارية لمثل هذا التعاون. منذ عام 1929، أعطت معاهدة من الحقبة الاستعمارية البريطانية مصر حق الاعتراض على أي مشروع يقام على منابع النهر والذي قد يؤثر على إمدادات البلاد من المياه. والآن صَدَّقت العديد من دول حوض النيل، بما في ذلك السودان وأثيوبيا، على اتفاق إطاري تعاوني لحوض نهر النيل، لم توقع عليه مصر بعد. ونظراً لمخاوف مصر بشأن نقص المياه المحتمل نتيجة لمحطات الطاقة الكهرومائية الجديدة التي تقيمها أثيوبيا على المنبع فإن موافقة مصر ليست مضمونة على الإطلاق.

وفي ظل الأجواء السياسية المحمومة في مصر فإن رئيسها المنتخب حديثا، المشير عبد الفتاح السيسي، قد يستسلم لإغراء تصعيد التهديد بالقيام بعمل عسكري رداً على مشاريع الطاقة الكهرومائية في أثيوبيا. فمثل هذا التحرك من شأنه أن يحدث موجات صدمة في مختلف أنحاء المنطقة التي تعاني بالفعل من الصراع في جنوب السودان وسوريا والعراق ولبنان.

ولتجنب سلسلة أخرى من ردود الفعل السياسية والبيئية الخطيرة، فإن الإيعاز إلى جميع الأطراف بالتحرك نحو التوصل إلى اتفاق سوف يتطلب الاعتراف المتبادل بالمخاوف بشأن الموارد. فلابد أن تضمن أثيوبيا بمصداقية استمرار المدد من المياه إلى المصب، على سبيل المثال، من خلال تأسيس معدل لتجديد المياه في خزانات سدودها لا يهدد تدفق المياه إلى مصر. من ناحية أخرى، وفي حين تحتفظ مصر بحقها الأساسي في حماية إمداداتها من المياه، فيتعين عليها أن تعترف بمصالح جيرانها أعلى النهر وأن تكون على استعداد للتفاوض بإخلاص ونية حسنة على معاهدة جديدة لحوض نهر النيل.

Subscribe to PS Digital
PS_Digital_1333x1000_Intro-Offer1

Subscribe to PS Digital

Access every new PS commentary, our entire On Point suite of subscriber-exclusive content – including Longer Reads, Insider Interviews, Big Picture/Big Question, and Say More – and the full PS archive.

Subscribe Now

سوف تتعرض الشركات المتعددة الجنسيات والدول ذات السيادة مثل الصين، والتي مولت مشاريع الطاقة الكهرومائية عند منابع النهر، لضغوط متزايدة حتى تتخذ موقفاً واضحاً من هذا الأمر. وهي أيضاً قادرة على الاضطلاع بدور إيجابي من خلال النظر في إقامة استثمارات عبر الحدود تهدف إلى معالجة بعض التبعيات المتبادلة، مثل ممارسات الري الزراعي المسرفة في مصر.

في أماكن أخرى من العالم، تظهر على السطح توترات أخرى مرتبطة بالموارد. فيهدد الإجهاد المائي والأمن الغذائي بتقييد الوعد الاقتصادي في الهند، مع تسبب محطات توليد الطاقة الكهربائية العاملة بإحراق الفحم في تحويل موارد المياه على نحو متزايد بعيداً عن الزراعة. كما تتصاعد المخاطر السياسية المحيطة بالاستثمار في القطاع الزراعي في نيجيريا نتيجة للانفجار الديموغرافي (السكاني) وارتفاع معدلات التضخم، وضعف سيادة القانون، وحقوق ملكية الأراضي غير المأمونة، وكل هذا يفضي إلى عواقب سياسية بعيدة المدى.

وتتفاقم هذه التوترات المتعلقة بالمياه بفعل الاستثمارات الأجنبية التي تسعى إلى تلبية الطلب النهم من قِبَل المستهلكين في البلدان المتقدمة على الموارد من دون الانتباه إلى تأثير ذلك على الاستدامة في البلدان المضيفة. والواقع أن التأثيرات البيئية التي تخلفها بلدان العالم الصناعي على هذا النحو، بعيداً عن استغراقها في الرياء والنفاق، لا تشكل بطبيعة الحال أي أساس لبناء استراتيجية حقيقية للاستدامة البيئية العالمية.

وبدلاً من هذا، ينبغي للعالم أن يستثمر في الزراعة المستدامة والطاقة المتجددة والبنية الأساسية الخضراء الرحيمة بالبيئة. ومن المؤكد أن الجهود الأكثر تبشيراً التي تبذلها جهات رائدة متعددة الجنسيات اليوم سوف تواجه إعانات الدعم والمصالح السياسية الراسخة. وما لم يتم وضع وتفعيل الأطر السياسية اللازمة فإن مبادرات الاستثمارات الخضراء سوف تستمر في النضال من أجل تحقيق أي نجاحات ذات مغزى. وعلاوة على ذلك، تبدو البلدان المتقدمة والنامية غير قادرة حتى على الاتفاق على تقسيم عادل للمسؤوليات البيئية، على الرغم من الارتباط المتبادل في مجالات مثل التجارة والاستثمار وتوفير الموارد الطبيعية.

ولكن لا ينبغي لهذه الصعوبات أن تمنعنا من المحاولة. تعمل مبادرة أمن الأرض مع مؤسسة بي إم دبليو على تطوير موائد مستديرة عالمية تتناول أمن الموارد لفترة تمتد إلى سنتين، وتبدأ في هانجتشو بالصين في الفترة من السابع عشر إلى العشرين من يوليو/تموز. وسوف تجمع هذه اللقاءات غير الرسمية الرفيعة المستوى بين كبار رجال السياسة والأعمال والمجتمع المدني في أوروبا والاقتصادات الناشئة في محاولة لتسوية مثل هذه الخلافات.

الواقع أننا نعلم ما ينبغي لنا أن نقوم به، والسبب وراء أهميته، ومن يتعين عليه أن يشارك لتأمين مستقبل كوكبنا في الأمد البعيد. ومن الواجب علينا الآن أن نعالج قضية لا تقل أهمية، والتي تتمثل في الكيفية التي يمكننا بها تحقيق هذه الغاية.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

https://prosyn.org/DInxgDmar